ما هي أسباب وشروط ووسائل رقيّ وتطوّر الإنسان وتحقيقه لذاته وإنجازاته ؟ إذا كان سعيه لتحقيق أهدافه وقضاء مصالحه وضرورياته الحياتيّة ؛ فلا بدّ له من كدح وصبر ومداومة ولذلك كان سعيّ النّاس شتّى لإختلاف وتضارب المصالح وتعدّد الأهداف.
فهل يتمّ تحقّق الذّات وتحقيق الإنجازات بالكلام والفكر أو بالعلم والعمل أو بالمعاناة والتجارب وإكتساب الخبرات؟ إنّ الكلام وإستهلاك الوقت والزمان واللٌهث وراء تحقيق الأمنيات بالأوهام والأماني والكلام سراب " فليست الدّنيا بالتمنّي " مع أنّ العلم والعمل قد يحقّق بعض الأماني والإنجازات في الدًنيا ولكن بالمعاناة والتّجارب وتجاوز الصعوبات بمراراتها إكتساب الخبرات والدّربة في مجال الحياة وتذوّق نكهة ومعاني الحياة على حقيقتها فلن ينال المجد إلاّ من لعق الصّبر فالمجد ليس تمرا أنت آكله .
الحياة الدّنيا تستوجب وتتطلّب المجاهدة والمعاناة والصبر والمصابرة وكلها معاني وأسلحة لمكافحة الحياة ؛ فالأفكار وحدها لا تكفي والأفكار لا تجدي نفعا إذا لم يعقبها عمل كما أنّ العلم والعمل شرط أساسي غير كافي لوجوب العزم والصبر وعلوّ الهمة والثبات لحصول تطوّر الذّات ورقيّها من مراتبها الدّنيا إلى مراتبها العليا من سفالتها وحقارتها ووضاعتها إلى نزاهتها وصدقها وكرامتها ومن عبثيتها ولهوها إلى مسؤوليتها وأمانتها.
من إعتقد أن الدّنيا ورديّة وطقسها ربيعي بحت فإنه واهم لعدم وعيه بتعاقب الفصول وتغيّر الأحوال رغما عنه فعند إعتراضه للصعوبات والشّدائد والمحن وملاقاته الأزمات " ونقص الأنفس والثّمرات والخيرات " من دنياه يكتشف رماديتها وحقيقة معناها فالحياة جمع وطرح وزيادة وسلب فما لها من ثبات وإستقرار لتغيّر الأحوال والمقامات فنوائب الدنيا تدور .
إن المشيئة الإلهيُة المطلقة الخارجة عن إرادة البشر الفاعلة في الوجود مستقلّة عن مشيئة وحول وقوّة البشر تفعل في الوجود إضافة ونقصا فقد توافق سعي وإرادة وحول وقوّة البشر وقد تتعارض وتتنافض مع ذلك ( وما تشاؤون إلا أن يشاء اللّ).فالسعيّ من الإنسان والتوفيق من اللّه والظاهر متاح للإنسان والغيب بعيد صعب المنال ؛ فهل يفقه الإنسان حقيقة معنى الحياة ويعدّل ويوازن ويتمثّل المعاني الجوهريّة ليصحّح مساره ؟