إن تغير موقف الاتحاد من الرئيس لا يعود إلى قيامه بنقد ذاتي لقبوله بالتأويل المتعسف للفصل 80 من الدستور، ولا يعود إلى رفض مبدئي لمركزة السلطة بين يدي الرئيس بعد المرسوم 117 الصادر في 22 سبتمبر( وهو الذي جعل المراسيم أعلى رتبة من الدستور ومن القوانين وحكم بإلغاء كل ما يتعارض معها، بل ألغى أي سلطة رقابية على الرئيس بحل الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين)، ولا تعود حدة النبرة إلى مراجعة المركزية النقابية لموقفها من عودة البرلمان بصورة توافقية مؤقتة ( لتعديل القانون الانتخابي والدعوة لانتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة)،
أي إن ظهور بوادر الأزمة في العلاقة بين الاتحاد والرئيس لا يعود إلى تجاوز الاتحاد لوعيه الانقلابي أو لتقاطعه الموضوعي مع الرئيس في عداء النهضة وائتلاف الكرامة ومن طبّع معهما من ورثة المنظومة القديمة، بل راجع الى يقين قياداته من أنهم لن يكونوا - هم وأذرعهم الحزبية والمدنية- شركاء في إدارة " حالة الاستثناء" ولا مؤثرين في مخرجاتها.
لقد تأكد الاتحاد - بحكم رفض الرئيس لأي منطق حواري أو تشاركي في إدارة الانقلاب وتحديد مخرجاته- من أنه سيكون من بين الأجسام الوسيطة التي يستهدفها مشروع الديمقراطية القاعدية بصورة مباشرة (ومن هنا جاء الرفض القطعي للجزء الخاص بالبرلمان في مشروع الرئيس، لا الرفض لمشروع النظام الرئاسي الذي يقبل به الاتحاد وأغلب القوى الديمقراطية لتحجيم دور البرلمان الذي تسيطر عليه حركة النهضة وحلفاؤها).
مختصر القول: الاتحاد ليس ضد الانقلاب إلى يومنا هذا، ولا ضد إعادة هندسة المشهد السياسي بصورة توافقية مع الرئيس، ولكنه ضد تعنت الرئيس ورفضه " إدارة تشاركية" للانقلاب بصورة تضمن دورا حقيقيا للمركزية النقابية وحلفائها في صناعة القرارات وتحديد السياسات العامة للدولة خلال حالة الاستثناء وبعدها.
ولذلك فإن تصعيد الاتحاد ضد الرئيس هو تصعيد" تكتيكي" يهدف إلى تعديل موازين القوى الحالية والضغط على الرئيس للتراجع عن الادارة المنفردة للانقلاب ، ولا يعكس موقف المركزية النقابية أي تغير في موقف الاتحاد المتطابق مع باقي القوى الانقلابية في الأحزاب والمجتمع المدني والإعلام، والتي تسعى كلها إلى بناء حقل سياسي جديد يهمش حركة النهضة وحلفاءها ولو اقتضى ذلك تعديل الدستور والنظام السياسي بصورة تعيد مركزة السلطة في يد حاكم قرطاج الحالي أو القادم لأنه سيكون بالضرورة- بحكم المعطيات الانتخابية- من خارج حركة النهضة، أي من المنظومة القديمة وحلفائها/ وكلائها القريبين من الاتحاد ومن"القوى الانقلابوقراطية".