بعيدا عن ادعاءاته الذاتية ومزايداته ومبادراته، يعلم الاتحاد جيدا أن فرض "الإصلاحات الاقتصادية" بمنطق المراسيم - أي بعيدا عن أي رقابة نيابية وإعلامية ومدنية- هو الغاية الحقيقية من "تصحيح المسار"، كما يعلم الاتحاد أن تلك" الإصلاحات" لا يمكن أن تنفصل (في منطق الجهات المانحة/الناهبة المتصهينة) عن فرض التطبيع ( أو ما يسمى بصفة القرن) وشروط "محور الثورات المضادة" الذي يعتبره الاتحاد حليفا استراتيجيا في مواجهة"الخوانجية"( لا منظومة الفساد والاستبداد التي هو جزء أساسي منها).
ولكنّ ما لا يعلمه الاتحاد ( أو ما أساء تقديره) هو أن التحريض على ضرب الأحزاب والحياة النيابية وجميع الأجسام الوسيطة( ثم السكوت عن المسار الانقلابي برمته) لن يضمن له أي "تمييز إيجابي" أو أية معاملة تفضيلية في ظل نظام لا يتحرك بمنطق الشراكة، بل بمنطق البديل.
فالسلطة القائمة على المراسيم والأوامر الرئاسية لا تقبل القسمة ولا المشاركة ولا الاعتراض أو حتى "المساندة النقدية". فإما أن تكون معها بلا أي شرط أو احتراز( أي تقبل بأن تكون جسما وظيفيا) وإما أن تستهدفك بكل الطرق الممكنة حتى تخرج من مجال التأثير أو تعود إلى " الموالاة التامة".
ورغم أن الاتحاد مازال "يحلم" بدور الشريك الاجتماعي ( أو قوة الضغط) في مسار 25 جويلية، فإنه واقعيا لا يملك في الوضع الحالي إلا خيارين: إعلان المعارضة الجذرية لمسار 25 جويلية واعتباره انقلابا( وهو أمر مستبعد بحكم سيطرة الوطد والشبيحة على المركزية النقابية)، وإما أن يقبل بالعودة إلى مربع المناشدة ورفع التحديات وتثمين قرارات الزعيم (كما كان يفعل في عهد المخلوع)..وهو الأرجح عندي رغم كل العنتريات الحالية التي لا تهدف إلا إلى تحسين مواقع التفاوض وإنقاذ ما أمكن من "المصالح العليا" البيروقراطية النقابية وشبكاتها الزبونية(تحت شعار" إنقاذ تونس" ) .
مختصر القول: الاتحاد كان يستقوي على من هم في "واجهة السلطة" بأن يتحالف مع الدولة العميقة والحكام الفعليين(المركّب الجهوي-المالي-الأمني) لأنهم كانوا يحتاجون إليه في استراتيجية إعادة التموقع والانتشار بعد صدمة الثورة ، أما الآن فإنه مستهدف من تلك النواة ذاتها لانتفاء الحاجة إليه في هذا السياق( إلا للمساعدة والدعم). فالسياق الحالي بسلطته الانقلابية لن يقبل بالأجسام الوظيفية ( بما فيها الأجسام "المستقلة" ظاهريا) إلا حين تدجينها ومنعها - ولو بمنطق القوة- من معارضة إملاءات رعاته الدوليين(التفويت والتطبيع)... ولو بعد حين.