بمنطق اليسار الثقافي/الفرنكفوني/ الوظيفي ذاته( وهو المنطق الذي دمّر بناء أي مشروع وطني أو " كتلة تاريخية" تكون ذات مهام تحررية واضحة وبعيدة عن الانقسامات الهووية البائسة)، فإن جميع مواقفي من الصراع بين الرئيس والاتحاد محكومة ب" منطق التناقض الرئيس والتناقص الثانوي" : تناقضي الرئيس هو مع النواة الايديولوجية لمنظومة الحكم( اليسار الوظيفي بجناحيه الشيوعي والقومجي) ويمثلها الاتحاد وجميع أذرعه المدنية والإعلامية والثقافية التي تضع نفسها في خدمة النواة الجهوية الأمنية للمنظومة ذاتها؛
أما تناقضي الثانوي فهو مع الرئيس ومشروعه. فالرئيس مهما خالفناه( أو مهما خالف انتظارتنا المشروعة عندما انتخبناه في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية) هو مجرد واجهة مؤقتة للسلطة لأنه يحمل مشروعا سياسيا لا يتماهى بصورة مطلقة مع النواة الصلبة لمنظومة الحكم بجناحيها الايديولوجي والجهوي-الأمني.
فهناك نوع من التحالف أو " التعامد الوظيفي" بينهما( اعتماد تكتيكي متبادل ومؤقت) ولكنه ليس تحالفا استراتيجيا مثلما هو الشأن في علاقة اليسار الوظيفي بالنواة الأمنية- الجهوية للنظام منذ الاستقلال الصوري عن فرنسا، مما يعني أن التناقض بينهما( أي بين الرئيس ومشروعه الشخصي أو السياسي وبين النواة الصلبة للحكم) سينفجر لا محالة ( على الأقل بحكم ما يفرضه الرئيس من هندسة جديدة للسلطة ولركائز شرعيتها، وكذلك بحكم تهديد مشروع الرئيس للعديد من اللوبيات التي تعلم أنها لن تكون في مأمن إذا ما استقر الأمر لحاكم قرطاج).
وبناء على ما تقدم، فإنني لن أنافق وأعبّر عن تضامني مع المركزية النقابية، ولن أستبله نفسي بتصديق أن ما يحركها هو المقدرة الشرائية للمواطنين أو الدفاع عن المنشآت العمومية، ولن أحزن على من قال" خذها ولا تخف، لا تكن مهواما"، فمآلات الصراع مهما تأخرت ستجعل الاتحاد أمام إحدى وضعيتين: إما أن يقوم بالمراجعات الضرورية لعلاقته بمنظومة الحكم وغلبة الأدلجة والانتهازية ( لا المصلحة الوطنية) على مواقفه قبل الثورة وبعدها، وإما أن يعود الى دوره الطبيعي داخل منظومة الحكم، أي إلى دور المؤمن للسياسات الرشيدة ورافع التحديات والشريك الاجتماعي الموثوق لمن يصل إلى قصر قرطاج ( وهذه المرة يمكنه تعويض " الشعب المهنية" ب" تنسيقيات مهنية ).