هم أولئك الذين أداروا نظام بن علي الفاسد والتابع في الصفوف الثانية أو الثالثة أو حتى في مواقع هامشية بحكم عدم رسوخهم أنذاك في" الوطنية" على مذهب المخلوع وأصهاره. وهم صنيعة ذلك النظام ومدينون له بتدرجهم المهني ومكانتهم الاجتماعية، وهو دَين يجعلهم لا يعيشون الثورة إلا ك"تهديد وجودي" وإن لم يمتلكوا الشجاعة ليصدحوا بذلك.
قد لا يكونون منتمين إلى التجمع المنحل، ولكنهم كانوا بالضرورة من خدمه، وكانوا جزءا من الشبكات الزبونية التي استفادت من اللوبيات الجهوية أو الإيديولوجية المهيمنة على توزيع الخيرات المادية والروحية زمن المخلوع.
وهم " مستقلون" حتى بعد الثورة لأنهم لم يجدوا في أي حزب من الأحزاب ما يجعلهم يخرجون من منطق" الاستقالة" من الحياة السياسية- ولذلك فإن أغلبهم أقرب إلى معاداة الثورة واستحقاقاتها، وأقرب الى تشكيل الخزان البشري للأحزاب التجمعية- الجديدة -.
ولا تعني استقلاليتهم أنهم لا يميلون إلى أي حزب- خاصة أحزاب المنظومة القديمة-، بل تعني فقط أن براغماتيتهم تمنعهم من اتخاذ مواقف سياسية واضحة لأن كلفتها قد تكون كبيرة على مستقبلهم المهني. والمستقلون هم أساسا أدوات تنفيذ لخيارات لا يصنعونها، بل يوظفون معارفهم لتبريرها وتبرير أضدادها إن صدرت أوامر أسيادهم بذلك.
وهو ما يعني في النهاية أن المستقلين هم " تقنيو معرفة" يضعون معارفهم في خدمة النواة الصلبة للحكم، سواء أخدموهم مباشرة أو بتوسط" الأحزاب الفائزة في الانتخابات بصورة ديمقراطية.
إنهم يمثلون انتصار جديدا للدولة العميقة على مسار الانتقال الديمقراطي وادعاءات من وضعوا أنفسهم حراسا للطهورية والثورية والوطنية والتقدمية والحداثة وغير ذلك من خرافات "النمط المجتمعي التونسي" التي لا محصول لها الا التطبيع مع ورثة المنظومة القديمة.