سعدت كثيرا قبل أيام لفوز عدد من الصحفيين الشباب المتطلع إلى إصلاح قطاع الإعلام بأغلبية الكراسي في الهيئة الجديدة لنقابة الصحفيين التي هيمن عليها طويلا نقيب لا نعرف له لحظة حياد واحدة منذ سنوات دون أن نذكر أشياء أخرى ليس هذا مجالها الآن فهو باسم الحداثة والتقدم.. يمارس العداء بوضوح تجاه شق دون آخر.. وقد قالت القاعدة كلمتها وأبعدته مع *كتلته* لصالح أسماء جديدة في النضال النقابي..
يعني أن قاعدة الصحفيين وهي التي تتوسع من سنة الي أخرى عدديا ترغب في وضوح تام في التغيير.. والابتعاد عن العداوات والاصطفاف الذي لا يشرف قطاع الإعلام.. وللأسف فإن أول نشاط لهذه الهيئة الشابة تمثل في إصدارها بيانا يحمل قرارا بمقاطعة حركة إئتلاف الكرامة التي لها كتلة في البرلمان عقابا لها لأنها انتقدت بشدة الى حد الشتائم بعض الصحفيين الذين يرفضون مشروع قانون معروض على البرلمان تفوح منه رائحة تزكم الأنوف لأنها تهدف الى لجم الافواه وضرب حرية التعبير التي اكتسبها الشعب بدماء شبابه في ثورة الكرامة قبل عشر سنوات..
لا شك أن موقف حركة إئتلاف الكرامة البرلمانية غير مقبول وتصريحات بعض قادته مرفوضة تماما.. لكن ما هو مقرف أكثر هو بيان الهيئة الجديدة لنقابة الصحفيين التي كانت واضحة في اصطفافها ضد طرف سياسي معين.. والانتصار الي طرف آخر.. وبهذا الشكل رابطت نقابة الصحفيين في مكانها.. وأكدت أن لا شيئ تغير فيها.. وأن هذه النقابة ليست محايدة.. وما تزال فاقدة للموضوعية..
كان على نقابة الصحفيين أن تكون حذرة جدا.. فهي في خدمة الصحفيين.. كل الصحفيين.. بلا تمييز ولا تفرقة بينهم.. فلا تصطف مع طرف صحفي دون الطرف الآخر.. ولا تصطف سياسيا مع حزب او حركة سياسة لتعادي حزبا آخر.. او حركة أخرى تجاه هذا الصراع السياسي الساخن الي حد الاحتراق بين الاحزاب والكتل البرلمانية والبلديات ذات الألوان السياسية فلا تصدر بيانا واضح المعالم في توجهه السياسي….
كان على النقابة أن تتصل بهيئة إئتلاف الكرامة لتستجوب عناصرها… وتعطيها الكلمة.. وتتحاور معها وتكون مناسبة بينهما لتبادل الرأي في محاولة لإيجاد مربع للتفاهم وتحييد هذه الكتلة ان لزم الأمر حتى لا تكون هذه الكتلة عدوا للصحفيين ولنقابتهم في البرلمان.. او في فضاءات أخرى تعني الصحفيين ولهم معها مآرب للفائدة اهل المهنة…
والتوضيح فأنا لست راضيا على برلمان تونس لأنه أصبح ملجأ يهرب اليه أصحاب الملفات السوداء للتحصن به حتى لا تطالهم ايدي العدالة باعتباره نواب الشعب إذ وفق القانون يتمتعون بالحصانة التي لم تفهم في واقع الأمر على حقيقتها قصدا.. فالجميع لا يريد أن تكون هذه المسألة واضحة لان الجميع يرى نفسه عرضة للمحاسبة والملاحقة ولذا فان الغموض في مسالة الحصانة البرلمانية أصبح مطلوبا..
لكني مع ذلك لا أرفض كتلة دون أخرى في البرلمان والصحفي الملتزم باخلاقيات مهنته لا يجب أن يخسر حياديته وان لا يفقد موضوعيته ويضع نفسه على مسافة من الجميع. ويتعامل معهم على حد سواء.. وينقل للناس رؤى ومواقف كل التوجهات الحزبية والايديولوجية المنافسة والمتدافعة والمتصارعة دون أن يتخذ موقفا يفسد به براءته التي ينتظرها الناس منه فيقدم لهم ما يقوله هذا وما يرد عليه ذاك.. يعني عليه أن يعتبر كل الكتل كأنها مخطئة. او يعتبرها كأنها على صواب فلا عداوة ولا تحابب وإذا ما أراد الصحفي أن يدلي برأيه وأن يقدم رؤيته من حقه الشخصي ذلك بعد أن يستوفي شروط أخلاقية المهنة..
أما نقابة الصحفيين فليس من حقها أن تتخذ موقفا معاديا ضد كتلة برلمانية معينة.. ولا ضد حزب معين.. ولا ضد عناصر مستقلة وتعتبر ان الحرية أساس التعامل السياسي والإعلامي.. وليس من المعقول أن تقف الي جانب صحفي متسيس مدافعة عن رؤيته.. او حزبه.. او كتلته في البرلمان..
أعتقد أن بيان نقابة الصحفيين الذي ينتصر لصحفيين أحدهما عبر بصريح العبارة القذرة احيانا عن عداوة شرسة وغير مسؤولة ضد طرف سياسي في البرلمان هو نص مسيئ للمهنة الصحفية و هذه بداية سيئة جدا للهيئة الجديدة….
وأتوجه الي نقيب الصحفيين وهو شاب متميز ان لا يضعف أمام ضغوطات أصحاب الأصوات العالية في الأحزاب أو في الوسط الإعلامي.. وأن لا يكون طرفا مع او ضد هذا الحزب او ذاك.. وان يتمسك بحيادية النقابة.. وأن يناضل من أجل حرية التعبير وحرية الرأي والديمقراطية.. دون اعتبار للتوجهات. فالحرية كل لا يتجزأ وليس جزءا من حرية يريده البعض له وليس حقا للجميع….