اليسار الأوليغارشي…

Photo

يسارنا التونسي الحركي ... يحيا و يموت على نظريات الصراع و التنافر حتى بين مكوّنات نواتاته المتعدّدة و المتخالفة و هو الذي يفنى في حب القلاع الاستيطانيّة كما يفنى الصوفي في حب معشوقه...

يسارنا الفذ اتخذ من الاتحاد و المنظمات و الجمعيات الوطنيّة موطنا قسريّا له لا يهاجرها و فضاءً لإفرازاته، و تّخذ منها تجارب شاهدة نموذجيّة طبّق فيها مقولاته الباطنيّة في النفي و الإثبات التي لم يستطع تطبيقها بعمق في حزيباته...هذا اليسار الشوفيني الذي استوطن الزوايا و الأركان والدوائر و المنابر و بعض الاجسام و أقسم بشرفه أن لا يدخلنّها عليه أحد ما دامت رائحة الإنقسام فيه قائمة و تفعل فعلها... بانتخاب أو بغيره...هو في الحقيقة ذو طبيعة الأوليغارشيّة مفادها أن يحكم ولو كان في المعارضة بأكبر البقايا أو يعارض و لو كان في قلب رحى الحكم، لو أدى بمقولاته التصعيديّة ( التي تغذي فيه نهم مازوشي) إلى فناء الجميع و لو كان مركب الوطن…

الأوليغارشية... سياديّة لا تسمح بتطبيق قواعد لعب نظيفة...و لأنّه مقتنع بأقليّته و هوايته أيضا، و ليس بمستطاعه مجاراة نسق اللعب في الميادين المفتوحة مع استمراريّة نموّ لانحراف تكتيكي و بنيوي في أساليب إدارته للمباريات السياسيّة إذ دائما ما يستعجل إنهاءها باحتراز أو إيقافٍ من قبل حكام الملعب تخرّجت جُلّ نخبه و ثقفوته أساسا من قطاعات اختصاصها القانون الدستوريّ المتزاوجة مع المكنة الإعلامية، و خاصّة عندما ينتشي و يتخمّر إذا أدخل للساحة السياسيّة الصراع الثقافي الهوياتي …

فهو يتفنّن في تقديم دروس في العذريّة و الفحولة أمام مشانق القيم و الرمزيات التي نشأ على أنغامها وطن و شعب بالرغم من الاستلاب ...وهذا سبب أساسي في خساراته المتتالية و بالأخص في الميادين المفتوحة على كلّ الاحتمالات...و لأنّ هذه النتائج تتكرّر معه و أصبحت ملازمة له كمتلازمة داون فهو غالبا ما يلجأ للحيل البروتوكوليّة و التمثيليّة مع أشعار البكائيات التي تنهل من الاستضعاف و المسكنة...علّه يستدرّ العطف بسرد التاريخ النضالي في الاستئصال و سرد تأريخ التاريخ في مواجهته للإمبرياليّة و الإقطاعيّة و الإستعمار…

وفي الأخير إذا انتهى به الأمر إلى اليأس ممّا سبق فيسرع باللجوء لرجالات الكواليس بامتياز من أجل إخراج مُشَرِّف لتصميمات هندسيّة في الغرف المغلقة و التبشير إعلاميّا بأحقيّة الشرعنة للتوافق مع الشرعية النضاليّة و هي عندهم أعلى دستوريّا من الانتخاب المباشر و شرعية الصندوق...

و إن حدث و فشل في هذه التخريجات ( وهو الحاصل غالبا) فعنده محزون وارف الظلال من التهديد باللجوء لقطع الطريق و الاعتصامات مع الإنذار بالمطرقة و المنجل وهي السبيل الوحيدة لإثبات الوجود و إبراز العشق في أدب الصراع الحتمي مع زخم إعلامي من حواشي مصنّفاته.... يعتمد فيه على قاعدة لعب شعبيّة يعشقها كثيرا و يتماهى معها من تباشيره الأولى التأسيسيّة وهي***نلعب نحرّم ما نلعبش نحرّم ***…

هذه الأوليغارشيا... التي لم تعد لها قابليّة الوجود و الاستمرار في المجتمعات الحيويّة و المتوازنة حضاريّا نتيجة لاقتناع أغلب يسارييها بفشل هكذا منهجيّة و بخطرها على مستقبل أوطانهم و ريادتها الحضاريّة....مازالت مقولاتها و الأساليب المؤديّة لها تعشّش في باطن العقل السياسي ليسارنا الذي يمارس جنس السياسة في هذه الأرض المفتوحة على الكثير من ألاحتمالات لغياب التوازن و الفاعليّة و ثقافة العمل و البناء، يصبح معه هذا الصنف من اليسار كئيبا و قاتما و محكوما بقابلية الفناء من داخله لأنّ القلاع المحصّنة و الغرف المدجّنة لم يعد لها مجال للبقاء...فإمّا الانفتاح أو الفناء و لا ثالث لهما…

و بكلتيهما ستخرج عقليّة بول بوت التي تحبّذ الظلمة مع اللون الأحمر القاتم بخفي حنين من أي نجاح في أي لعبة و لو كانت ثقافيّة.... أمّا ألعاب الحفلات المتنكّرة و وراء الأبواب الموصدة و قاعات الأدخنة و الكؤوس لم يعد لها لزوم الاستمرار...لأنّها ببساطة تعيش لحظات الوقت البديل....و هذه هي بذور الفناء الأوّليّة للأوليغارشيا الموجودة في أجنّة اليسار الغير .

بارع في الحساب و الحسابات و العقابات....

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات