تعبرني تيارات وطني من جميع الإتجاهات...لذلك فأنّ جوهري ليس إلاّ انصاهارات لجواهر من ثراه…
عروبيّ أنا...لذلك أحس بالإختناق من السياجات القطريّة، ومن التأشير الدائم مع اجتياز للحدود عبر البوّابات الرسميّة.
قُطْرِيّ أنا...لذلك أفكّر على الأديم في الأديم، و أنانا التي فينا، كيف تحيا فينا وفي الأديم الذي جعل الهوى من هواءنا يعتصر الفؤاد في أنانا... وكلّ الذي قلت، مكتوب عليَّ الآن على أوراق هويتي الثبوتيّة…
يساريّ أنا...لذلك عَهِدْتُ طفولتي تنْعم و تتنعّم بظلال الإحتجاج الإجتماعي، و عاهدتها برعاية النبرة الصوتيّة العالية لأنايا و الكاتمة للصمت و الهسهسة..مع نشدان طوباوي لذاكرة كهولتي لنمط فريد من العدالة الإجتماعيّة...تضرب بجذورها في صحرائي مع مقلات أبا ذرّ الغفاري .
إسلاميّ أنا...لذلك ترعى أنايا ما خفّ حمله و زاد نفعه، و ترعى من سنابل الإرث و التراث و الموروث المصقول على أحجار الأفئدة في أيام ذات مسغبة...آه كم ترتوي نفس أنايا و تثمل من مقولات ابن الخطاب التحرّريّة، و ممارسات الحكم لإبن عبد العزيز مع الحلقات الضيّقة و المتكثّفة للقبَليّة الأمويّة و المروانيّة…
ذاكرتي...أنا..التي ارتوت و اكتوت من كلّ المشارب المذكورة آنفا...و التي ساهمت مع هامش لا بأس به من المغذيات العشوائيّة أو الجهويّة أو المحلّيّة في صقل هيكلها الداخلي و الخارجية وفي نمذجة بوصلتها المتنوّعة و المزركشة كأصداف بحريّة…
ذاكرتي...أنا (الفرديّة و الجماعيّة) التي عَبّت حتى الثمالة من عصارات المشارب هذه...لم تقتصر على ذاك المنهج الممنهج...بل تونستها و أخرجتها في ثوب طفل ينشد أبجديات الياسمين و الحرية مع فائض كبير من المناشط و الحيويّة...لكن مع غياب غير مُبَرَّرْ لتقنيات التكتيك و توزيع المجهود على كامل ردهات الأزمان الحضاريّة.
تعبرني الليالي و الأيام، و التاريخ و الجغرافيا، و الفرح الطفولي و أحزاب الأفكار،من عالم الملكوت إلى عالم الشهادة... تشهدني الفيافي و القفار، و السهول و الشطآن، و السباخ و الجبال... إنِّي أنا نفسي لست إلاّ إجابة من إجابات السؤال...عن الوطن المتعدّد و المتشابك و المتجانس الذي لم يهتدي لحدّ الساعة لطرق اختبار قدرته على تبويب إجاباته المختلفة على نفس السؤال…
من أنا…
أولست أنا...القطريّ العربيّ العروبي اليساري الإسلامي....الذي أنّ و يئِنّ تحت أثقال الإنصهارات و الإنكسارات و الإنتصارات و الإنكفاءات و الأسئلة الحارقة الوجوديّة…
أولست أنا...ذلك الذي قرفص أمام المنابر و تحت وطأة الأسلحة و في ظلال العنعات و التأتآت و التراجعات و المراجعات…
ألست أنا و ألست أنت و الهوّ ... اللذين تاهوا في مسارب البحث عنّا و عن ماهياتنا و هوياتنا الهوويّة التي تستمدّ تشبّعها كلّ حين من منابع شتّى …
أولسنا نحن الّذين تباعدوا تخالفوا... لكي يتعرّفوا و يتعارفوا و يتخاصموا و يتصارعوا على إجابات واحدة لمختلف المعضلات...أولسنا نحن الذين أخذتهم المدن من نفس المدن المجاورة على أصوات المآذن و المعاول و المناجل و الحروف المنمّقة... أولسنا نحن الذين أخذ منّا التعب في الزحام و الزكام من المعمعة و العنعنة و النعنعة...أولسنا نحن الفرحين بالوقوف على السكون دون المسكنة و على الفتح دون نصب مع المنصبة و على الضمّ دون الرفع مع الضمضمة و على الكسر مع الأهواء في شهود القسورة…
أولسنا...نحن الذين اجتمعنا لكي نتفرّق إلى قبائل شتّى...ولكي نُقسّم بالعدل و القسطاس التواكل و التباغض و التحاسد و التزعّم و الإستبداد و أغلب المفاسد و المظالم.... و فيما بين أبنائنا...كما قُسِّم الحسد و الغيرة بين إخوة يوسف الإثني عشر…
أولسنا...نحن الأنا...الذي لم تستوي بعد في ذكراهم و ذكرياتهم مآدب البرّ و العدل و القسط و العدالة و الحريّة....ولم تتواصل بعد الذبذبات التي تتموّج من مآذنهم في تعميق المعنى في الفكر و التأسيس و المناهج و المبنى…
أوليس كلّ المنتج من النحن...غذاءً مبسّطا للأنا و قابلا للإمتصاص مع النجوى...أوليست صور الأنا مرتسمة كخيالات على صفحات النحن...و أجسام النحن خيالاتها مرتسمة على شبكيّة الأنا…
أوليست... أنايا الآن، ثقافيّا،...في الحقيقة هي أنت الذي تداري جوهرك و تضخّم الإختلافات البسيطة التي لا تستوجب كلّ هذه الشحناء مني و منك.... حتّى نكونا كشقائق النعمان التي تتغذّى من الألواح التناظريّة...