الإزدواجيّة في معايير التصنيف... استشهاد الزواري نموذجا.

Photo

ساءني جدّا، أن أسمع و أرى على صفحات الفايسبوك و على واجهات المحطات الإذاعيّة و التلفزيّة، حوارات مفرطة في القتامة و التمييز و الإزدواجيّة، في تونسنا الشهيدة علينا جميعا، و تصديرات مقنّعة وسفسطائيّة وعبثيّة لعقدنا النفسيّة الداخليّة المستبطنة و تغوّلا لعقليتنا المزدوجة في التصنيف و سذاجتنا الظاهرة في التناول و تقديم الرؤى…

فصكوك الشهادة تمنح كشهائد الشكر و الأوسمة ( و كأننّا نحرس أبواب الجنّة) حسب مواصفات تحدّدها أنانياتنا و نرجسياتنا و تمركز كلّ منّا حول ذاته الفرديّة أو الجماعيّة التي ينصهر فيها و المتغيّرة حسب الإنتماء....فالشهيد لا يكون شهيدا إلاّ إذا كان من نمطنا و دمه مثل دمنا ( ألم يصنفّنا الموازي المزروب حسب لون الدم: ذوي الدم الأحمر و ذوي الدم الأسود و تصنيفه مستبطن عند الكثير من النخب و الناس..). أمّا إن كان غير ذلك فأحسن ما يقال فيه هو الهالك...

صفة المناضل أيضا تخضع في وطننا للمقاييس و المعايير السياسيّة و الأيديولوجيّة فهي حكر فقط على أيديولوجيا محدّدة و أمّا غير ذلك فسيكون نضاله موقوفا بثمن الكغ نضال...فحتى التعذيب و الإنتهاكات و التجاوزات التي تطال كرامة الأنسان ( لأنّ عصا و سوط الجلاّد لا تفرّق حسب الإنتماء...) تخضع للمعايير المقلوبة للزواريب السياسيّة و الأيديولوجيّة و المنافعيّة القاتمة التي تقبع في دواخل دواخلنا النفسي على شكل عُقدٍ و مركّبات نفسيّة تستعصي على الحلّ و العلاج و خاصّة في ظلّ وطن واهن أتعبته عنتريات بعض أبنائه و ضمور البعض الآخر و دهاء الدولة العميقة و أذرعها و أطرافها…

فالعصا تكون خنجرا مسموما تستحق استيقاظ كلّ الضمائر و خاصّة الضمائر الممنهجة في روابط الحقوقيين و الإعلاميين النافذين إذا مسّت شخوصا تدافع عن الرؤى التي يعتقدها السدنة (سدنة الحداثة أو سدنة الهويات) و تكون بردا و سلاما و وردا ووفق القانون أن كان الإنتهاك و التعذيب يطال المنافس السياسي المناكف الأيديولوجي أو المخالف في المنافع…

المبادئ و القيم و الحقوق الإنسانيّة في وطني، حتّى بعد التحرّر الظاهري من الكوابيس الظاهرة التي أشاع مشاعها الإستبداد، مازالت لحدّ اليوم تخضع للكوابيس الواعية في لاوعينا و وعينا الباطن و المترسّبة من عقود في بواطن بواطن أنفسنا، نتيجة التجارب و الثقافات و حالات الحرمان النفسي و المعرفي التي التقت مع التصحّر و الفوارق النفسيّة و التربويّة و الإجتماعيّة،…لذلك تخرج، خاصّة في أزمان اللحظات المشهودة و الفارقة، في صورة منفصمة معياريّة و مزدوجة حسب الهوى و الإنتماء و السواد الداخلي…لذلك نرى و نسمع من يقول بأنّ الزواري إرهابي لأنّه قتل المدنيين""الإسرائيليين""" !!و العجنقي و بسمة و المطماطي و الشماخي و بركات يستحقّون ذلك لأنّهم واجهوا النظام !! وليس على أي نظام حرج أن يستعمل كلّ الأساليب من أجل مواجهة خصومه….. ولذلك تجدهم يبرّرون للمجازر الجماعيّة و يندّدون بقتل كلب…وهذا ذكّرني بحادثة للكوفيين مع عبدالله بن عمر إذا أتوه يسألون عن حكم قتل الذبابة في الحرم. فقال لهم عجبا لكم أهل الكوفة!! أتقتلون إبن بنت رسول الله و تسألون عن حكم قتل الذبابة في الحرم …..

أنا حزين لكون نفوسنا الباطنة و مناطق ظلّنا الداخليّة مازال يستوطنها ظلّ للمستبدّ الجاهل و العنصري، لم نتخلّص من وطأته و جبروته و سطوته لحدّ الآن، بالرغم من مرور ستّ سنوات عن التباشير الأولى لشرارة الثورة و التي لم يستطع نورها الولوج لذواتنا المتحجّرة و التي تلفّها حجب من السواد، حتّى تطهرنا من الرجس الذي يعمّرها… و لأنّنا لم نقدر على فتح نوافذنا التي تفتح على مناطقنا الداخليّة في نفس كلّ منّا…فإنّ درب التحرر و الإستقلال و صناعة المستقبل مازال وعرا و شديد الضبابيّة و متعرّجا و طويلا.. وما زال ظلّ بن علي لم يطرد من نفوسنا و لم تشع بعد على صورته القاتمة شمس التحرّر و الحرّية…..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات