التهارش و التهريج والمناكفات السياسيّة في الساحة الوطنيّة ( لدى المعارضات بمختلف أصولها و الأحزاب الحاكمة بمختلف مقدّراتها) دليل آخر على الخفّة و المراهقة و غياب الرؤية الجامعة و الحالمة و المستقبليّة لبناء منظومة حكم راشدة و هذا يدلّ أيضا أنّ مرحلة الرشاد لم يحن أوانها بعد ....و الطريق مازال متعرّجا و صعبا و طويلا …
و سالكوه الأوفياء قلّة و قليل ما هم...و حلم التغيير الهادف و المتشعِّب ما زال بعيد المنال و تفصله عنّا عديد المعضلات و العقبات و الأميال و تفصلنا عنه العشوائيات و المراهقات و الشذوذ و العنتريات و غياب الحكمة و القدوة الحسنة و الإخلاص...لأنّه و ببساطة بهذه العيّنات من الشخوص و النخب و البهلوانيات السياسيّة (المقولبة و المتحرّكة وفق مسارات خطيّة لذهنيّات حزبيّة تعتاش من رواسب و إفرازات الستاتيكو- الأيديولوجي) و التي تبحث عن عدد البوكيمونات التي تجمعها في حقائبها السريّة، لا نستوفي شروط الحكم الرشيد وعاؤنا الثقافي و القيمي و السياسي لا يصلح آنيّا لحمل أعباء و استحقاقات هذا الحكم...
لأنّنا و ببساطة لسنا بأهل له في الوقت الراهن و لسنا في وارد التمكّن منه لعيوب بنيويّة و ثقافيّة و تاريخيّة مستبطنة و ظاهرة لم نبرأ منها بعد... فالجعجعات الحزبيّة كثيرة و الخبز الحافي الذي يكفينا مؤونة السِّنون العجاف غير متوفّر و كلّ النفوس الـ..« حقيرة التي طال اضطهادها، تحبّ أن تَضطهد هي أيضا » كما قال دوستويفسكي ....
و من الدلالات الإيجابيّة التي تؤشِّر على بداية المسلك الرشيد هو معاينة بدايات حملة نظافة وطنيّة تقوم على أساس الكنس لأغلب الشخوص و النخب السياسيّة البلاستيكيّة، التي تربعت على الفضاء العام بمنطق الإستحواذ و الشرعية النضاليّة و القدرة على الجلوس في الكراسي الأماميّة، من الواجهة الوطنيّة و إحلال طبقة شابّة، يافعة، نضرة، جديدة و ديناميكيّة لم تتلوّث روحها و لا بسمتها و لا بَشرتها بمواد كيمائيّة أفرزتها أخاطيب الدولة العميقة (كلّ الشخوص السياسيّة و الثقافيّة و الإعلاميّة الحاضرة و الشاهدة و البارزة للعيان على الركح الوطني ليست بمعزل عن هذا التوصيف)…
أمّا غير ذلك فهو تفنّن مرّة أخرى في إهدار الفرص و الإمكانيات لنهوض وطن مستميت من أجل حريّته و انعتاقه من ربقة عبوديّة الذوات مع حلمه برؤية أبنائه من كلّ الفيافي و الجهات بالاستظلال تحت ظلّ شجرة العدالة المستدامة.