الأخطبوط...و سبل مقارعته

Photo

الدولة العميقة كالأخطبوط ...إن قطعت لها ساق تنبت ذاتيّا لها أكثر من ساق ولو كانت اصطناعيّة ...وبالأساس هي لم تغب عن مسرح الأحداث لا قبل 14 و لا بعده...بل ظهورها العلني و بصور متعدّدة ومتناقضة هي المتغيّرة...أمّا المهمّة و الهدف فهي لنم تغيّر بوصلتها..ومن العجيب أنها تمتلك قدرة عجيبة على التخفي و التحوّل و التعمية و التلوّن كالحرباء التي يأخذ جسمعا لون الشيء الذي تقف عليه...فهي عابرة للحدود الأيديولوجيّة و السياسيّة و الثقافيّة و الجغرافيّة- الجهويّة وحتى الطبقيّة…

فتجد من الميحوقين منها أشدّ المدافعين الشرس على منافعها و مربعاتها و مراكز نفوذها الإستراتيجيّة بل الآنيّة و يمارسون ذلك بلذّة ملحميّة وجوديّة وتراجيديّة قلّ وندر أن تجده لدى المؤمنين نظريّا بقضاياهم العادلة…

هذه الدولة العميقة الهلاميّة متفرّعة بأطراف زئبقيّة و لزجة في الأحزاب بمختلف مرجعياتها الثوريّة منها كما الإداريّة السلطانيّة...هذه الدولة لها أذرع تمتلك الحريّة الذاتيّة في التقلّص و التمدّد و الهيمنة حسب بمفعول التحسس و التجسس و التحرز و التحفز الذي يشتغل ميكانيكيا و اوتوماتيكيا بشكل اوتونومي مرن و فعال و الرابط الأساسي بين كل هذه الأذرع و القلب (مركز الإدراك و التوجيه عن البعد) هي المنفعة و لو في حدودها الضامرة و التربية والسلوك على الإيمان بكون المنفعة الذاتيّة ستحصل لما يفيض شبع الإله- الرب لهذه الدولة و الذي يمثل دوره داخل المركز...تماما كمركز الأرض فله من القوى المغناطيسيّة و الجاذبيّة ما يدفع حتى بعض الحشرات و الناموس من التحلّق و السباحة جوّا في مداراته المعلومة و المرقّمة…

هذه الدولة المتشعبطة..لها كهّان و دهاة و صنّاع و عملة و مزيّنون و و جوقات نحاسيّة..تختلط الأدوار لكن في حدود معيّنة مخافة تضييع الإتقان...هذه الدولة لها قدرة عجيلة على توزيع الفيء على الأتباع و المريدين و صناع القرار و الدهاة و الدهاقنة و الدعاة..بفسمة ضيزى لكنّها تغري الجميع و ترضيهم...ممّا يجعل الفرد- الذات- الهيكل يبذل نفسه و زوجه وذرّيته وماله من أجل استمراريّتها بالرغم من الخسارة الفادحة التي ستميّه آجلا أو عاجل في الدنيا أو في الآخرة…

هذه الدولة تمتلك من الإمكانيات و المعدّات وتاعتاد و المسامير و المجنزرات و الأموال (الخضراء أو الزرقاء أو الصفراء...) ولما مسارب المدد يأتيها من كبّ صوب و فجّ من الدول ذات الإمارات و الدول ذات الأَمارات و من الدول الأمّارة بالسوء أو الأمارة بالنفع ..من الشرق و الغرب و الوسط و الشمال و الجنوب.... من تحت الأرض المسرق ومن فوق الأرض الذي يدار في وظيفة المكننة لهذه الدولة....

هذه الدولة في حالتنا التونسيّة ساهمت بجزء فعال و هام من مسار الثورة..هندسته و جيّرته لقواهاالتي رأت التخلّص من بعض رؤوسها أفضل لماكنتها في الإستمرار على الطحن من الإبقاء عليهم ...هذه الدولة العمبقة.شاركت بفعاليّة متخفيّة وظاهرة في تحديد المآلات لهذه الثورة إمّا باللجان ( ثورجيّة أو إصلاحيّة و تأسيسيّة...)، بالأفراد ( زعماء الدولة بعد الثورة و قبل التأسيسي كلّهم بلا استناء شخوص و صور مصغّرة و مشوّهة لها) بالمؤسسات و المنظمات و الجمعيات و اتحادات العمال و التجار و الفلاّحين و صناع الرأي العام و المثقفين و مراكز الفنون و الإنتاج ....إلخ …

و لم تفلح القوى المستحدثة و التي يعمّها الغثّ و السمين و تغمرها الطوباويّة و الدغمائيّة وقلّة الدراية وغياب الفراسة و الإستعجال ..ولب المعضلة عدم التمرّن الجيّد على الأساليب الحديثة في إدارة الصراعات و المآزق المستحدثة و الالمنفجرة من ثغورها كألغام الألمان في الحروب العالميّة...و بم تفلح يوما على ركح الدولة من تقليم أظافرها و تقليص حجمها السرّي الذي كاد يغرق السفينة في البحار و اللجج العميقة من شدّة تكثّفه و و تصلّبها بالمعادن الثقيلة ...بل تفنّنت و في إدارة المعارك الصغيرة و الهامشيّة و تاهت في أزقّة و وكثابين الرمال المتحرّكة ذاتيا و بفعل الفاعل المعلوم و المعروف لكنّه المبني للمجهول و عليه**بمعنى أدق وقع التتويه و التنويم بأحسن الطرق و أبشعها و أكثرها إيلاما...إمّا بالأثقال المتدحرجة من الذكريات الممزوجة بالخيال الخصب أو بالمهمات العاجلة الإطفائيّة و الثقيلة في دروب وعرة غير مستأنس عليها و لا متدرّب عليها ولها و لو بعمليّة واحدة بيضاء...و إذا أضيف إليها الإستعجال في مواطن التريّت و البطء في مواطن العجلة...و الإنبهار المفرط بدروب المدينة الداخليّة لهذه الدولة الحضريّة باستعمال طرق و أساليب ووسائل تنقّل تقليديّة -بدويّة...والإنشغال بالأعراس و المآتم الذاتيّة و بالمعارك الصغيرة التي تدور في فنائها..

كلّ هذا و أكثر سهّل مأموريّة إدارة المرحلة من الظل و الكواليس لشخوص من هذه الدولة الأخطبوط المتشعبطة.. و أعطىت، و لوقت قصير، مهمّة تجهيز القصور (قرطاج و القصبة وباردو…) لثلّة منتقاة من الوافدين الجدد و بعد عسر للمفاوضات بشأنها و تركت لنفسها إدارة الحكم ولو خفية و على تقية ودون مناجاة بصوت جهري أو ظاهرة للعيان…بل هندست عن بعد كلّ النتوءات و الفجوات و الأخاديد…في الدستور و في نظام الحكم و تقاسم النفوذ و حدود كلّ سلطة و في النظام الإنتخابي و الهيئات الدستوريّة وفي النظام السياسي برمّته..لكي لا تمنح لكبّ هؤلاء الغرباء من الإستفراد بالقوانين وتعلّم العوف عليها…

في الأخير …النجاح في ملاعبتها و لو تقنيا (الإنتصار بعيد المنال في الوقت الراهن) هو أتقان اللعب في الكواليس و بنفس طرق هذه الدولة الأخطبوط و التعلّم من أساليبها في الدهاء و المناورة والكرّ و الفرّ و التخفي و الإظهار…التعلّم من منهجياتها تقنيا فقط لكن مع الحذر من انتهاج طرق عقائدها و معابدها و النشر العشوائي للألغام التي تشوّه الماضي و الحاضر و المستقبل…لأن المستقبل المتوازن لا يبنى أبدا عن طريق العنف و التخريب و على مقولة عليّ و على أعدائي…استقرار الوطن النفسي بالخصوص ولو المخاتل مقدّم على درء المفاسد كلّها في نفس اللحظة و التوّ…وفي العمل الدؤوب و المتقن و العام و المتفرّع و المتخصّص..هو في ذاته و محصلته تعلّم واكتساب و خبرة و تراكم و كسب في الأخير…و مع الإيمان بصوابيّة المنطلقات و المبادئ مع الإستقامة حيالهما…و تحديد للأهداف المرحلية الممكنة التحقيق و الأهداف البعيدة المدى..

لأنّ المعارك الحضاريّة…صولات و جولات وانكفاءات و ظهور و مبارزات …و مسارات و مراكمات أيضا و نقاء في السريرة…أما الجعجعات و السفسطائيات و المعارك الوهميّة فنفعها ظاهر للدولة العميقة و رصيدها مجيّر لها لكن بأيدي و أرجل و ألسنة ضفدعيّة للثورجيين… وهي من الصكوك المرصودة مسبّقا لمزيد تخليد و ترسيخ ذكريات الاستبداد و حاضره الملتحم عضويّا مع الدولة العميقة و منافعها الفئويّة….

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات