الإنقلاب و الإستبداد

Photo

الإنقلاب هو الطريق السيارة و السريعة للمشاريع الإستبداديّة...فهو الذي يتغذى منه و يغذيه... فالعقل الاستبدادي هو الذي لا يرى في الوصول الى سدّة الحكم الّا عن طريق الغلبة بالدبابات بالرغم من كونه طريق مشبّع إسفلته بالدماء و الآلام و التناحرات و هو طريق بوّاباته تخصم مباشرة من الرصيد القيمي و المادي و الحضاري للشعوب...و لأنّه لا يمر حتما إلاّ عبر سفك الدم... فهو إذا شرّ مستطير و بالأخص أن كانت إمكانيات التغيير متاحة و بسلاسة عبر الصناديق لمن ألقى السمع وهو رشيد و لمن وطّن نفسه و عقله على مناهضة الإغتصاب و منها حرية الاختيار للشعوب…

لذلك يساهم الإنقلاب في خصم مهول لأرصدة و مقدّرات المجتمع و الدولة و تجييرها لصالح المنقلب و بطانة سوءاته...و الإنقلاب بحدّ ذاته هو سوءة حضاريّة و تبييض مستدام للاستبداد مهما كانت الدواعي و الشعارات البراقة المرفوعة باسم الإسلام أو باسم القوميّة أو باسم حماية الأقليات أو تحت أيِّ يافطة..و إدانة المشاريع الإنقلابيّة و الاستبداديّة هي بديهيّة عند النفوس الحرّة والتي تتوق للأنعتاق من ربقة الاستبداد بكلّ أنواعه و التي تثق في مخرجات الديمقراطيّة مع إيمانها العميق بامكانيّة التداول السلمي على السلطة في غياب للعقول الكلاشنكوفيّة ...أمّا النفوس المجبولة على العبوديّة الرخيصة للشخوص و المشاريع فلن ينفع معها التلوّن بالكلام الرقراق عن الديمقراطيّة فهي ليست إلاّ هياكل مشوّهة تستمني في ظل الخنوع لمستبد وهي ليست إلا طفيليات ترعرعت في ظل عاهات مستدامة وظالمة بدءً بحياتها العائليّة و التربويّة...ومن يشرعن للإنقلاب حاضرا و فرحا، شماتة في الخصم السياسي العنيد و الذي استحالت أمام عبقريّته الإنتصار عليه بالحلول السلميّة ممّا استلجأ أو بالأحرى أجبره قصوره الذهني مع قلّة حكمته و تواضع معرفته الإلتجاء لمداخل حلول الدم و الأحكام العرفيّة و السيطرة بالسلاح على المنابر الإعلاميّة، و هو في الحقيقة ليس إلاّ مشروع مستبدّ ظالم و غشوم إن تمكّن يوما... وهو الآن في زواريبه و نواديه المغلقة يمارس ذلك سرّا و بشهوة مرضيّة...و لو تمعنّا جيدا تاريخه لتمكنّا من ضبطه عاريا و يتضوّر شبقا و نشوة وهو يمتصّ فواضل المؤخّرة و بقايا الدم من ثديَ الطغاة، لن يُتمكّن من ضبطه يوما وهو يمارس الفرح بالحريّة و للحريّة و الانتخابات الحرّة…

بقي القول أنّ الإنقلاب في جوهره عقليّة و سلوك و جبلّة لمن يبغي الفساد في الأرض و يطمح أن يسود و يسوس حتى ولو كان أقليّة، وهو ليس إلاّ شرعنة و تمهيد عملي لدكتاتوريّة الأقليات الفكريّة أو السياسيّة أو المذهبيّة التي إن كتب لها المشاركة في أي عرس انتخابي وطني لن تسعد بالجلوس على كراسي المجالس و في أحسن الحالات إلاّ بأكبر البقايا، وهو أيضا ليس إلاّ اغتصاب دموي و همجي و بربري و إرهاب لاختيارات و إرادة الأغلبيّة…

و من شخوصنا الوطنيّة، اليساريّة والقومية و الاسلاميّة و الليبيراليّة...، التي تحتفي بالإنقلابات في السرّ و العلن و خاصة إن كان تجاه خصم سياسي متوهّم هُمُ في أفضل الحالات مشاريع مستقبليّة لدكتاتوريات هجينة و توتيليارات قمعيّة، و مناطق ظلّهم و وعيهم الباطني ليست إلاّ مراعي نموذجيّة لعقليّة استبداديّة و انقلابيّة و استيطانيّة لا تتنفّس إلاّ روائح المستنقعات،

ولا ينفع معهم دواء لا الكيّ و لا التعليم و لا التدريب في جمعيات حقوق الانسان ولا حقوق الأقليات أو حقوق الأغلبيات... و لا دواء لأمراضهم الباطنيّة إلاّ الصحوة المجتمعيّة و حالة الصحو المستدامة المؤسّساتيّة، و هُمُ ليسوا إلاّ براعم فاسدة لمستبدّين صغار، و خطرهم على المجتمع وعلى تطوّره أكبر من خطر الطاعون... و محاصرتهم لا تكون إلاّ شعبيّا مع الحيطة والحذر من برمجياتهم الفيروسيّة التي يبثوها بالليل و النهار في سعة و محتوى القرص الصلب للدولة و المجتمع... و ضررهم بالغ الخطورة على الفرد و المجتمع و الدولة و المؤسسات على الاقليات كما الأغلبيات و على القيم في حدّ ذاتها...ومن كانت حاضنته الفكريّة والتربويّة تنزّ بدم متعفّن و ملوّث فلن يصدر من حوائطه إلاّ السموم و القاذورات…

و المؤسف حقّا أن العقليّة الانقلابيّة و الاستبداديّة و القابليّة لهما هي عقليّة عابرة للأيديولوجيات و للتديُّنات و للمناهج المدنيّة و الحقوقيّة و للقطاعات و لها بذورها في تبقى في حالات كمون في غالب الأحيان وهي تجد في كلّ الفضاءات و التشكيلات حاجياتها الغذائيّة التي تمدّها بالقدرة على الاستمرار و الإنبات و الإيناع كما تجد حاضنة لها في البؤر و الزوايا الرخوة و المظلمة و الباطنيّة إن كانت إجتماعيّة أو ثقافيّة أو تديُّنيّة و حتّى حقوقيّة تتزيّن بمساحيق مدنيّة و لقد مسّ طيفها و ظلالها كلّ الأطياف ( السياسيّة و الاجتماعيّة و النقابيّة و الأمنيّة...) و التقسيمات ( جهويّة أو قطاعيّة أو قطريّة..) وقد وجدت من تربتنا العربيّة وعاءً لها وفيها من المغذيّات ما يمكّنها من الإستمراريّة في النموّ و التطوّر ولم ينج من شظاياها و آثارها و جيناتها إلاّ القليل و قليل ما هم...)

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات