د. عصمت سيف الدولة ود. حسن حنفي أشعّت أطروحاتهما في تونس أكثر من مصر. إذ مثلا مرجعية معرفية لتيارين سياسيين: "الطلبة العرب التقدميون الوحدويون"(تلاميذ عصمت) و"الاسلاميون التقدميون" (تلاميذ حنفي). مثّل مشروع سيف الدولة تحولا نوعيا في الأيديولوجيا القومية العربية بإخراجها من النموذج العسكري أسلوبا (الناصرية ومشتقاتها ومقلديها) ومن التلفيق (تعريب الماركسية/الماركسيون العرب) منهجا.
ومثّل مشروع حنفي اجتهادا جبارا في الخروج من شرنقة التفكير الأورو_مركزي الذي غرق فيه الاخوان المسلمون (تمركز معكوس) وساهم في اجتراح نهج معرفي متحرر من العنف الابستمولوجي الأورمركزي (العنصري (عصيان ابستمولوجي افتتحه ادوارد سعيد وتطور منهجيا على أيدي حلقة (حداثة/كولونيالية/ديكولونيالية في "أميركا اللاتينية") لكنه ظل يراوح مكانه (عصيان جنيني) لدى تيار "اليسار الاسلامي" (حنفي/مصر والجابري/المغرب واحميدة النيفر ومصدق الجليدي/تونس) وكنت قد طرحت هذا القلق المعرفي على الدكتور احميدة النيفر والصديقين زهير اسماعيل والحبيب بوعجيلة مقترحا عليهم عقد ندوة فكرية لمناقشة سر العطب الذي حال دون تطور الحلقة المعرفية (مجلة 15/21) والحال أنها ولدت في نفس التوقيت مع حلقة "دراسات التابع" في الهند والتي حملت بدورها نفس القلق المعرفي (العصيان الابستمولوجي) لكنها تطورت بشكل مذهل عكس التمرين التونسي/العربي!!!
اللافت للانتباه كذلك أن كتاب عن العروبة والاسلام للدكتور عصمت كان قد بعث منه ستين نسخة لرموز الاخوان في مصر قبل نشره للحوار لكن ولا أحد منهم تفاعل مع مضامين الكتاب فكان أن تم نشر الكتاب ببيروت (مركز دراسات الوحدة العربية 1986). واللافت للانتباه أيضا أن حركة النهضة (الاتجاه الاسلامي) بتونس هي من تولت انجاز طبعة تونسية للكتاب (طبعة دار البراق) بحرص شخصي من زعيمها راشد الغنوشي رغم تحفظ حساسية اخوانية صلب الحركة. (
مؤخرا صحفي تونسي متميز له مرجعية اسلامية قال لي أنا عصمتي في معركة العروبة والاسلام. واللافت للانتباه أيضا أن مشروع حنفي ساهم في تكوين كوادر متمكنة معرفية في تونس لكنها ظلت نخبوية ولم تتحول إلى تيار شعبي كما حال حركة النهضة رغم أنها تخلقت في رحمها قبل الفطام لاحقا. واللافت للانتباه أيضا أن المشروع الفكري الذي طرحه سيف الدولة تمكن من "مسح الطاولة" لصالحه في تونس على حساب "الناصرية" و"القذافية".
لكن درس ثورات المواطنة كشف أن أكثرهم أدعياء متهافتون للعصمتية منهجا إذ تبين أنهم أسرى المدخل العسكري في تغيير الواقع العربي رغم مآلاته الكارثية!!! ملاحظات للتدبر نطرحها على تيارين ولدا استجابة للتحدي المطروح على أمتهما فتحولا إلى وزر مضاف!!! رحم الله مفكرٓين عاشا مشتبكٓين مرابطٓين دفاعا عن أمتهما وساهما في معركة حقها في السيادة المعرفية في مواجهة العنصرية الابستمولوجية الأرومركزية التي مثلت ومازالت غطاء لكل جرائم الابادة الأرو أميركية لشعوب العالم وأممه خارج أسوار "أثينا/روما" الهمجيتٓين.