باعتباري بُهلول على باب الله، ساعة يفرحني أمر ما، تنهمر دموعي حتى أعجز عن النظر للحظات، هذا ما عشته مساء اليوم أثناء متابعة الحوار الذي أجرته الصحفية المتميزة خولة بوكريم على هواء موقع Kashf TV كشف مع المناضل الشيوعي حمة الهمامي.
لا أدري أي ضغط جرى فيه الحوار، الذي كانا فيه وقوفا طيلة الحوار، ساعة شاهدت حمة قلت في نفسي بقلب يعتصر ألما، "حمة كبر"؛ عمر مضى في مقارعة الاستبداد والاستغلال دون كلل ولا ملل.
ركزت مع الحوار، كانت خولة محترفة دون تكلف وأنيقة الحضور والعبارة، وكان حمة متدفق العبارة دون تعالم مصطنع ودون شعبوية متملقة، مزج انسيابي بين الفصحى والعامية والقفشات التي تجعله قريبا ممن يشاهده/يسمعه.
نعم مش وقتو، خرجت من فمه كالحمم الواثقة من مقصدها/هدفها:
كنا في ضيافة تظاهرة يقودها إتحاد الشغل UGTT المتنوع المكونات كيف نفرض شعارات خطية؟! أنا أدافع عن الديمقراطية وإن استفاد منها خصومي وإن كانوا نهضاويين، الفاشية تدوس الجميع ولا تفرق بين علماني وغير علماني، بين يساري ويميني…
صرخت صامتا، يا للأقدار الشيوعي الحق يبرز زمن العسرة لا زمن رخاء الثرثرة الآمنة أو الثرثرة المناشدة لحوافر الدبابة المارقة كما يفعل قومج البوط الفاشيت ووطد الأجهزة المشبوه نشأة ومآلات،
كان صريحا كما لم أسمعه يوما في رد رادع على من شنعوا عليه مؤخرا تلفظه بعبارة" مش وقتو":
أنا لم أكن في سفارة إيران جنبا إلى جنب مع الغنوشي والسفير يقدمه كونه أبرز مثقفي العالم الإسلامي وهم صامتون قابلون ويزايدون عليّ!!!
أنا لم أشارك حركة النهضة في حكومات العشرية الفارطة ولم أقبّل رؤوس زعمائها ولم أتقاطر عليها طمعا في تزكية كما يفعل المزايدون علي هذه الأيام، لكني أبدا لن أقبل باعتقالات واختطاف أي كان وعلى رأسهم النهضويين، لأن المزايدين عليّ لم يعيشوا يوما ما عاشته عائلتي طيلة عقود الترويع.
هذا هو حمة الهمامي الذي قابلته مرة واحدة ساعة زار مدينة سيدي بوزيد سنة 2011 وحظي باجتماع شعبي عارم ضم كل الطيف الأيديولوجي بمن فيهم خصومه الأيديولوجيين الذي أمطروه بوافر عبارات التقدير. ساعة صافحت حمة قبلته من جبينه وتحدثنا حديثا خارج السياسة حدثته عن الهمامة (الذين يحتفظ منهم بلقبه) فسألني عن بعض العائلات ببئر الحفي، فأجداده من ربوع بـَر الهمامة (ڨفصة/سيدي بوزيد) الهمامة الذين انتشرت منهم عائلات كثيرة بالشمال الغربي التونسي زمن الهطاية والغزو والمراقبة والمعاقبة زمني البايات والاحتلال الفرنسي.
عرفت مناضلي حزب العمال POCT منذ منتصف الثمانينات زمن التلمذة لكن لا العمر ولا طبيعة التشنج الأيديولوجي المتبادل سمحا بعلاقات جيدة.
انفتحت عليهم أكثر في خريف 1995 بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية (9 أفريل)، ساعة مساهمتي الفعالة في خوض التفاوض مع بعض قادة إتحاد الشباب الشيوعي (صديقي العزيزين لطفي الهمامي وطيب الذكر الطاهر ڨرڨورة رحمه الله قبل خروجه عنهم) لالتحاق من بقي من فصيل الطلبة العرب التقدميون الوحدويون بذلك الجزء الجامعي بـالاتحادالعام طلبة تونس (حديث يطول لكننا نحتفظ بالتفاصيل). تعلمت الكثير الكثير خلال تلك التجربة، هناك انفتحت على النضال الإجتماعي الذي صقل لاحقا وأوصلني إلى عروبة المواطنة والمقاومة تمايزا عن الخط القومي الفاشي الذي كان بعض أرهاطه اليوم يعيرونني ورفاقي (من عرفوا لاحقا بحركة شباب الكرامة) كوننا "قوميين حمر عاطين عالبوكت" كذا كان يغمز من أطلق عليهم اليوم قومج البوط الفاشست.
عرفت لاحقا عن قرب القيادي الجيلاني الهمامي ضمن ملحمة للقاء النقابي الديمقراطي المناضل قبيل الثورة المغدورة.
وعرفت كذلك القيادي والمناضل/الإنسان العظيم عبد المؤمن بلعانس ضمن آخر نشاط جبهوي ضم تحالفي 18 أكتوبر والمواطنة والمساواة بمقر حزب التجديد بشارع الحرية بالعاصمة قبيل 5 أيام من اندلاع 17 ديسمبر 2010 (بالأمارة سي الحبيب بوعجيلة كان حاضرا شاهدا).
خلال مسار العشرية المفترى عليها غضبت كثيرا منهم، نقدتهم بشكل لاذع لكنه كان نقد عتاب لا عداء، كانوا يتفهمونه، قال لي يوما الصديق العزيز لطفي الهمامي، أنقد كما تشاء نحن دوما نقول الأمين صديق لحزب العمال، ويشهد الله أنهم الأقرب إلى قلبي نضاليا (فكريا عقلي اقرب للتروتسكية، رفيقي الوحدوي الديمقراطي الأستاد هشام الڨرفي دوما يغمز كوني تروتسكي عروبي).
مباشرة بعد الانقلاب الشعبوي تواصلت مع صديق قيادي في حزب العمال، قائلا: صحيح لستم وحدكم السباقون في القول بانقلابية 25 جويلية ولكن لكونكم الوحيدين الذين حذرتم من ظاهرة قيس سعيد قبل انتخابه وقلتم عنه هذا شعبوي خطير، قاطعوا الانتخابات، وعليه أخلاقيا وسياسيا أراكم الأولى بقيادة المقاومة وها أنا أمد لكم يدي وأتعهد بالتعبئة جنديا خلفكم، قال لي يشرفني أن نلتقي مجددا، سأطرح الأمر على الرفاق وأراجعك، لم يعد ففهمت الرسالة… وكان ميلاد مواطنون ضد الانقلاب والاتصال بحمة عبر رفيقين منا، وجدنا كل التشجيع ولم نقرأ يوما منهم تنمرا ووصما بالخونجة كما فعل قومج البوط ووطد الاجهزة.
هذا هو حزب العمال، لا اتدخل في سياساته الداخلية وإن كان يؤلمني جدا حد الوجع خسارته لأبرز طاقاته النضالية الشبابية، لكني دوما على ثقة أنه حزب كالبدر يفتقد في الليلة الظلماء.
حمة الهمامي لولا ضغط الأيديولوجيا على سيرته النضالية لكان على رأس أبرز رموز المقاومة اجماعا شعبيا.
من كان منكم بلا خطيئة فليرمهم بحجر.
هؤلاء أصدقائي وأنقدهم بلا رحمة ساعة يتبين لي أنهم أخطؤوا لكني بالأحضان أحييهم ساعة أراهم على رأس مقاومة طواعين الفاشست الشعبويين.