خطاب ترهيب قومجي يخوّن شركاء الوطن، فقط لأنهم مختلفون في كيفيات تدبير العمومي. ويخوّن القضاة فقط لأنهم متمسكون بقرينة براءة المتهم حتى تثت عليه التهمة وليس العكس كما يريد الوثن القومجي. ويخوّن المحامين فقط لأنهم متمسكون بأدوارهم في الدفاع عن منوبيهم تكريسا لحق الجميع في محاكمة عادلة. ويخوّن المناضلين الحقوقيين المتمسكين بتذكير الجميع بقيم العيش المشترك في دولة حديثة يلتزم فيها الجميع حكاما ومحكومين بعلوية القانون وسريانه على الجميع الدولة ومواطنيها.
منذ عشرية ونيف تجرأت تونس على القطع مع نموذج الحكم القومجي الذي يخوًن الاختلاف والديمقراطية والكفاح النقابي والنضال الحقوقي ويصم من اختاروا الديمقراطية أسلوبا في تدبير العمومي بالخونة والعملاء، تحريضا عليهم لخلق مزاج عام غوغائي يتقبل استباحتهم بضمير مرتاح.
والأنكى من كل ذلك يقترف القومجيون السفلة كل هذه الجرائم في حق شعوبهم بإسم السيادة والتحرر الوطني!!!
وقد فات هؤلاء الأوغاد السفلة أن ما يقترفونه لا يمت للسيادة بصلة، فالأسلوب القومي في تدبير العمومي هو أسلوب كولونيالي ونموذج عدواني مستورد، ناضلت الشعوب ودفعت الغالي والنفيس لكنس وجود وعدوان السلطة الاستعمارية لكنها لم تتحرر بعد من استعمارية السلطة التي ورثها القومجيون المحليون (تخوين وترويع ووصاية حولت الكلمات الكبيرة إلى كبائر).
الخيار السيادي هو الذي يستقوي بالشعوب ولا يستقوي عليها. كيف ذلك، ألا يتمتع الشعبويون القوميون بشعبية جارفة، كيف تتهمهم بالاستقواء على شعوبهم؟!!!
بلى، يتمتعون بشعبية جارفة، لكنها شعبية مرضية، مجرد رعايا يتشوفون إلى مهدي منتظر يخلصهم من السبي الطويل. مجرد رعايا يبحثون عن أب يحميهم من أنفسهم ومن الذئب لكنهم كالخراف في النهاية ينتهون في فك الراعي لا مخالب الذئب الذي أخافهم منه.
الشعبية الحقيقية تختبر عبر الاحتكام إلى الديمقراطية لا إلى الدبابة في مواجهة العزل. الشعبية الحقيقية تكون عبر الاحتكام إلى شعب منظم في منصات مدنية طوعية يدافع بها المجتمع عن نفسه أحزاب ونقابات وجمعيات وبرلمان، أما التجييش السلطوي في الشوارع للهتاف للحاكم المنقلب فهو صنيع مخابرات ولو كان القائد بكباشي. والمآلات دوما ريادة في التطبيع!!!
طيلة العشرية المفترى عليها تجرأت تونس على القطع مع نموذج الحكم القومجي الانعزالي (القومية التونسية) والانخراط المتعثر في بناء نموذج حكم ديمقراطيّ معاصر، حوصر ورذل وحورب من الداخل بدعم سافر من محيط اقليمي اعرابي بعيري متخلف عسكرتاجي فاشي متصهين، حتى كان انقلاب 25 جويلية/يوليو المستنسخ من نماذج قومجية عربية اختزالية أشد تخلفا وفاشية من نموذج القومية التونسية الانعزالية.
سحقا لقومجية الهدر الشامل والنصر لديمقراطية تقرير المصير الوطني الشعبي.