عشت عقودا على قناعة كون عجز العرب المعاصرين عن صنع انتصار يتيم مرده خوضهم المعارك محرومين من دولة عصرهم، كل العالم يخوض معاركه على قاعدة الأمة إلا العرب "يتقدمون" على جثمان الأمة.
هذه الأيام أعيش أبسط اختبار يؤكد صحة هذه القناعة... قطر تحتضن باقتدار مشرف ويرفع الرؤوس والمغرب تنتصر باقتدار مشرف يحيي النفوس.
لست رياضيا ولست مدمنا فرجة مباريات الكرة (قد لا تصدقوني أني لم أشاهد ولا مباراة خلال هذه الدورة ولا سابقاتها.. نعم والله، أكتفي فقط بالمتابعة عبر الإذاعة... أشاهد بأذني، وأنتشي بصراخ مقدم المباراة... ربما هي حنين إلى طفولتي عام 78 أيام ملحمة تونس في الأرجنتين).
شكرا قطر على التنظيم المبهر الذي كسر تحيزات استشراقية بغيضة حول "العجز العربي المزمن"، بل لعله كشف أنه مازال يسكن نفوس "غرب عجوز" يرفض التنازل عن أوهامه والكف عن عنفه المادي والرمزي.
شكرا أسود الأطلس، أحفاد المرابطين والموحدين... لقد كنتم تواجهون "الاسبان والبرتغاليين" بذاكرة كثيفة تأبى النسيان.
شكرا لكم، اقتدار قطر فسخ كل عربدة "عيال زايد" التطبيعية التخريبية التوهينية، وجعلتم من دورة رياضية استفتاء أكد فيه العرب أنهم فلسطينيون أولا وأخيرا.. استفتاء أكد فيه العرب أنهم أمة واحدة لم يفل فيها كل التخريب والتوهين والتطبيع…
اقتدار أسود المغرب أهدى العرب شعورا بالنصر وأطفأ كل النزعات العرقية والطائفية التي فرخت في محاضن الاستبداد البغيض… فهاهو الجزائري يبكي فرحا لتونس ساعة انتصارها الرمزي على العهر الفرنسي الذي يلقي بكلكله على قرارها وثرواتها… وهاهو المصري يرقص فرحا لتونس ويقول عن شعبها إذا احترنا نقول إن الحل هو تونس… وهاهو أمير قطر يخلع كل بروتوكولات الحكم ويهتز فرحا كأي مواطن بسيط فرحا لانتصارات من يراهم امتدادا لهويته… هاهم كل العرب مشارقة ومغاربة يهتفون فرحا بانتصار معنوي عابر يؤكد توقهم وتشوفهم لانتصارات تعيد لهم كرامتهم وسيادتهم…
شاهدت لقطتي فيديو على هذا الفضاء أحدهما أبكاني والثاني حلق بي عاليا… فيديو يعرض تغطية قناة جزائرية تتحدث عن انسحاب الفريق الاسباني دونما ذكر للمنتصر عليه وفيديو(ربما كانت أحداثه تدور في نفس التوقيت) يعرض جزائريين ومغاربة يقفون متقابلين على حدود بوابات النظام الرسمي السافل يهتفون مهنئين بعضهم بفرح غامر، شاركتهم الفرح بمشاعر ودموع مختطلة.
انتصارات فريق المغرب أحيا روحي المثخنة…
شكرا لهم… وشكرا لكل أصدقائي/صديقاتي الذين لم يكفوا عن الإتصال للإطمئنان… شكرا لأخي وصديقي الذي لم تلده أمي عماد دبور الذي لم يكف عن الاتصال يوميا، وكنت عاجزا عن مجرد رفع السماعة.
شكرا للرئيس المرزوقي (المناضل الإنسان) الذي راسلني منشغلا سائلا عن صحتي، أجبته "روحي مثخنة"… فكانت رسالته:
" العزيز الأمين، زمن الجيولوجيا بملايير السنين، زمن الاجناس الحية بالملايين، زمن الحضارات بآلاف السنين،
زمن الشعوب بالمئات وزمن الانظمة بالعقود. زمني وزمنك بالسنوات… انخرط في الزمن الطويل كحلقة من سلسلة ولن ياتيك الاحباط….. مودتي".