هذا الصباح وأنا غارق في متعة المطر والبرد، أجواء اعادتني إلى زمن الطفولة والريف الذي طبع شخصيتي وزادها غربة في مدن الجبن والخسة. رن الهاتف، آلو إذاعة الكرامة معاك، "عندنا ستوديو خارجي من ساحة الشهيد محمد البوعزيزي في الذكرى 13 لثورة الحرية والكرامة /17 ديسمبر".
ولأنها منبر يعز عليّ، ولأنها المنبر الذي حافظ على تمكيني دوما من ابداء رأيي مهما صبأ عن الراهن ومناشديه. فقد قبلت بكل امتنان. مكّنوني من دقائق استماع قبل التدخل... أصبت بالدوار غير مصدق . أغاني انتصارية وحديث عن أجواء حفّالي وما أحلى الثورة التونسية تضم الجميع!!!.
حان تدخلي، رددت التحية بأحسن منها وقلت صديقاتي أصدقائي أرجو أن تتحملوا ما أقول... بربكم عن أي أجواء احتفالية تتحدثون وتريدوني مشاركتكم فيها، أي حرية وأي كرامة وأغلب قادة المشهد السياسي معتقلون منذ أشهر طويلة دون ملفات عدى حزمة التخوين (الاغتيال الرمزي والاستباحة) التي يرددها الحاكم بأمره، عن أي كرامة والتوانسة مذلولون في طوابير لا تنتهي طمعا في الظفر بكيلو سكر ولتر حليب وكيلو كسكسي أو دقيق أو خبزة!!!
لا يا أصدقائي لن أشارككم المحفل التنكري، الثورة التونسية انكسر ظهرها منذ الانقلاب على كل المؤسسات الدستورية والمجتمعية من دستور وبرلمان وقضاء ومحاماة وصحافة وإعلام ونقابات وأحزاب...
لئن كانت حقبة بن علي وفرة خبز بلا حريات، ولئن كانت العشرية خبز وحريات فإن حقبة الانقلاب لا خبز ولا حريات... أجهز الانقلاب على خصومه ومناشديه، وفكك كل الأجهزة الوظيفية (أحزاب ومؤسسات "إعلامية" ونقابات) التي قصمت ظهر الثورة الديمقراطية.
الحمد لله أن تخلصنا من كل المشهد المزيف الذي قصم ظهر الثورة والديمقراطية باسم الثورة والديمقراطية... من يريد الانتصار للديمقراطية والحريات والنقابات فليبدأ من المسافة صفر وليضخّ التضحيات، ولّت عشرية الردح ورخاء الثرثرة.
لم يتحمل أصدقائي ما أقول لكنهم انتظروا استكمالي موقفي وحيّوني بلباقة انهاء لصوت صابئ يفسد العهد النوفمبري الجديد لكن بلا خبز!!.
اللهمَّ مزيدا من الابتلاء نكالا بالعابثين…