لا شِعرَ بعد غزة ولا نثرَ. لا دموعَ بعد غزة

لم أشعر بصوابيّة شعار أدورنو «لا شِعرَ بعد أوشفتز» كما أشعرُ به في أشهر هذه الحرب الطويلة. كيف يمكن أن نعودَ إلى حياتنا الطبيعيّة بعد انتهاء هذه الحرب التي نعيشها بثوانيها؟ هذه حرب تتركُ في قلوبنا وعقولنا ندوباً عميقة.

يستطيع البعضُ أن يرقص ويغنّي ويهزجَ (وهذا حقّه لأيّ خندق انتمى) لكن باتَ للحياة طعم آخر. في الحرب، تعرّفتُ إلى جثّة في برّاد الجامعة الأميركيّة وسقطَ لي رفيق (أوّل رفيق) شهيداً في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

لكن لم أرَ من قبل أكياس نيلون تجمع أشلاء الأطفال في فلسطين. لم أرَ تدميراً مُمنهجاً من قبل كما حدث ويحدث في غزة. هذه أوّل حرب إبادة أعايشها حيّة على الهواء. هذه الحرب تدفعُك إلى إعادة النظر في ثوابتك أو ترسيخها.

هناك (في صفّ السعودية والإمارات)، مَن قرّرَ أن الملامة تقع على السنوار، وأنّ الشعب الفلسطيني كان يعيش سعيداً تحت الاحتلال الإسرائيلي قبل ظهوره. هناك مَن يرصد أي صوت أو حركة كي يمدّ بروباغندا العدوّ بما تحتاج إليه من سند عربي أو بالعربيّة.

لن تعود الحياة طبيعيّة لكثيرين وكثيرات منّا. تلميذة سابقة لي في أميركا ارتدت الحجاب بعد أشهر فقط من بدء الحرب، وهي (صاحبة مهنة ثابتة) تفكّر في ترك البلاد التي نشأت فيها كي توطّد أقدامها وأقدام ابنتها في أرض عربيّة.

كانت رؤية الغرب عبر العيون العربيّة مشوّشة أو مضلّلة لكثيرين إلى أن كشف الغرب عن وجهه الحقيقي (البشع جداً). لم تعد كتابات روسو وجون ستيورات ميل تعني شيئاً. بدلاً من تدريسها، يجب تدريس خطب بن غفير وترامب وبايدن وشولتس. لا شِعرَ بعد غزة ولا نثرَ. لا دموعَ بعد غزة.

ليس أمامنا إلا الإصرار والعناد. هناك جيل جديد سيُعدّ العدّة للانتقام، لكنه سيتعلّم من انتقامات غبيّة في الماضي الذي تلي النكبة. المقاومة أصبحت عملاً علميّاً لا عملاً انفعالياً عاطفيّاً. خطب قادة المقاومة لا تذكّر بخطب الماضي أبداً. خطاب نصرالله الأخير كان أشبه بأطروحة أكاديميّة، وافقتَ معه أم لم توافق.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات