مات أهلنا في النصيرات بالعشرات. الصحف الغربيّة باتت تألف عدّ ضحايانا بالدزّينات. لا يمكن أن تقرأ تعداداً لضحايا غربيّين أو بيض بالدزّينات. مات أهلنا بلا أسماء وبلا صور، خلافاً للـ «ضحايا» الإسرائيليّين.
حتى عندما يُقتل جنود العدوّ، تسارع وسائل الإعلام الغربيّة إلى نبش صورهم وهم أطفال أو أولاد كي تُضفي صفة قَتَلة الأطفال علينا. لا يمكن لنا أن نكون ضحايا، ولا يمكن للإسرائيليّين إلا أن يكونوا ضحايا، حتى وهم منصرفون إلى ارتكاب فعل الإبادة الجماعيّة.
الجديد في الموضوع أنّ الإعلام العربي بات ينقل مضامين وقيم الإعلام الصهيوني العنصري الغربي. لا يعلم العرب الذين يتولّون شؤون الإعلام السعودي أو الإماراتي أنّهم يعتنقون ذمّ ذواتهم من دون أن يدروا، أو يدرون ولا يأبهون. الإعلام الذي ينقلون عنه يحتقرهم واحداً واحداً، مهما كرّروا مقولات الصهاينة.
فتحوا في الغرب زجاجات الشامبانيا احتفاءً بـ «تحرير الضحايا» الإسرائيليّين. ثلاثة منهم تولّوا وظائف عسكريّة أو أمنيّة (رابع كان حتماً في الاحتياط). صحيفة «النهار »و«سكاي نيوز» و«إل بي سي» و«العربيّة» شاركت في الاحتفاليّة، وتعاملت مع مجزرة النصيرات كأن عمليّة التحرير كانت جراحيّة.
قد تبدو هذه مبالغة، لكنّ «فوكس نيوز» وصفت ما حدث في النصيرات بـ «العمليّة الجراحيّة». عائلات تنتحب على ضحايا في غزة، وعواصم الغرب تتبادل التهاني وتصدر بيانات رسميّة عن الفرحة التي عمّت.
لكنّ إسرائيل، كعادتها في هذه الحرب، ظهرت على حقيقتها العسكريّة: عاجزة وضعيفة وتحتاج في كل خطوة عسكريّة إلى مساعدة أميركا وبريطانيا وغيرهما من الدول. لم نكن نحن العرب نعاني من عقدة نظريّة المؤامرة عندما ارتبنا من هذا المرفأ الأميركي المائي. متى كانت أميركا تنفق دولاراً واحداً لمدّ شعبنا بالمعونة؟
المرفأ المائي لم يكن إلّا عنصراً من عناصر حرب الإبادة. تغلغل الغزاة إلى وسط غزة في شاحنات مساعدات، كما أنّ أميركا تغلغلت في محيط إسلام أباد في حملات تطعيم وهميّة، كي تحصل على الحمض النووي لأسامة بن لادن. لم نبتعد عن الغرب (حتى نحن الذين نقطن فيه) كما ابتعدنا عنه في هذه الحرب.