الاستعمار الغربي زرع إسرائيل عنوةً بيننا…

من الإشارات العنصريّة التي تتكرّرُ في الإعلام والكتابات الغربيّة عن العالم العربي والشرق الأوسط أنّه «منطقة صعبة» أو «حيّ عنيف» أو منطقة تعيش وفقاً لـ«معايير حماه»، كما وصفها توماس فريدمان في كتابه الركيك «من بيروت إلى القدس»، في إشارة إلى مجزرة حماه التي ارتكبها النظام السوري في عام 1982. هذا الوصف يتسرّب إلى الإعلام العربي.

لكنّ منطقتنا ليست متوحّشة أو عنيفة جينيّاً. لو قسنا منطقتنا في القرون التي مرّت تحت الحكم العثماني، أو قبلها أو في القرون التي سبقت، بمعايير العنف المنتشر في أوروبا في حينه لوجدنا منطقتنا مسالمة وهانئة بالمقارنة.

نتحدّث عن «حوادث دمشق» 1860 أو حتى الحروب بين الموارنة والدروز وهي استثناءات التاريخ، ولبنان كان أكثر ميلاً إلى النزاع من غيره ربما بسبب ازدحام الطوائف فيه والأهم بسبب استغلال دول الغرب لوجود الطوائف فيه لتمرير مؤامراتها.

نتحدّث بالمقارنة عن «حرب المئة عام» بين المملكة الفرنسيّة والمملكة البريطانيّة (استمرّت، للدقّة، أكثر من مئة عام، من 1337 إلى 1453). إنّ وصم منطقتنا بالعنف والوحشيّة هو من وسائل تسويغ استعمال العنف ضدّنا.

كان مثلاً من مصلحة الصهيونيّة إلصاق صفة العنف والوحشيّة (والبربريّة حسب وصف ثيودور هرتزل، مؤسّس «الصهيونيّة السياسيّة») فينا. وفي الكتابات عن الصراع بين لبنان وإسرائيل (بما فيها كتابات جيمي كارتر وأقوال جو بايدن)، تبرز مقولة إنّ العرب واليهود يتقاتلان من مئات السنين. وهذه مقولة باطلة لأنّ الصراع بدأ فقط بعد تدشين المستوطنات اليهوديّة الصهيونيّة على أرض فلسطين.

صحيح أنّ المنطقة احتضنت عدداً من الحروب (الأهليّة والخارجيّة) في العقود الماضية، لكن ليس من حرب (أهليّة أو خارجيّة) إلا وكانت إسرائيل وأميركا عنصريْن فيها، تؤجّجان وتدعمان الطرف الأسوأ في الصراع.

الحرب الأهليّة في لبنان اشتعلت بدعم أميركي ــ إسرائيلي، ولولاهما لما كنا نتحدّث عن وحشيّة اللبنانيّين ضد بعضهم البعض. العنف في منطقتنا ليس منبثقاً عن الدين أو عن الثقافة بل عن زرع إسرائيل عنوةً بيننا، وعن الحروب التي خاضها الاستعمار الغربي إما للسيطرة أو لمحاربة عقائد تزعجه ومصالح مضادة له.

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات