لبنان هو البلدُ الوحيد في العالم الذي خاضَ الحروب في ظل حريّة تعبير مطلقة. لبنان فيه من الحريّة ما يسمح للأعداء بالتسرّب وإنفاق المليارات لعون إسرائيل وحلفائها. لبنان خاض تجربة المقاومة في التسعينيّات حتى التحرير في ظلّ حريّة تعبير خدمت إسرائيل. ليست هذه دعوة إلى خنق حرية التعبير التي ينعم بها الجميع، وخصوصاً من يمارس الكتابة.
لكن كيف يمكن للبنان الذي كان يخوض في التسعينيّات تجربة مقاومة شرسة ضد عدو وحشي فيما كان الإعلام المحلّي، بما فيه إعلام رفيق الحريري، يضيّق الخناق على المقاومة ويستنكر ما تقوم به من أعمال؟
كانت المقاومة تحارب إسرائيل فيما ظهرها يتعرّض للسكاكين من خصوم محليّين. طبعاً، بنية الحزب وعقيدته الطائفية قلّصتا من قدرته على التحرّك والمناورة الداخليّة. تحرّر لبنان وكان أمام معضلة: ماذا نفعل بجيش (حرفيّاً) من المتعاملين؟
كانت هناك أرجحيّة طائفيّة، لكنّ العملاء تنوّعوا طائفيّاً. طلبت البطريركيّة من الزعماء المسلمين حماية المتعاملين باسم الوحدة الوطنيّة. حتى إنّ العملاء والمجرمين والإرهابيّين الذين روّعوا الجنوب بأمر من إسرائيل، ثم لجؤوا إلى دولة العدو، تحوّلوا إلى قضيّة إنسانيّة.
تعاملت دول الغرب "الإنسانيّة بقسوة" شديدة مع المتعاملين بعد تحرير أوروبا من النازيّة. في لبنان، تخوض المقاومة معركة ضارية مع العدو على مدى عشرة أشهر فيما يقوم أعوان إسرائيل في لبنان (ومقابل أجرة يدفعها النظام الإماراتي أو السعودي أو الناتو أو إسرائيل نفسها التي موّلت أحزاباً وشخصيّات) بالتحريض ضد المقاومة وبمنح إسرائيل ما تحتاجه من مواد دعائيّة في حملاتها الإعلانية والسياسيّة في الغرب.
في حرب تمّوز، كانت المقاومة مستمرة وكان فريق 14 آذار يناصر إسرائيل في السرّ (ولدينا وثائق ويكيليكس) أو في العلن عبر تصريحات تهدف إلى نصرة إسرائيل.
هل يمكن ـــ لو انفجرت الحرب الكبرى ـــ أن توفّق المقاومة بين حاجاتها في الحرب وبين واقع التخريب والعمالة الصريحة من أحزاب وشخصيّات ووسائل إعلام في لبنان؟ في كل حروبها، تضيّق دول الغرب على الحريّات، إلا نحن: تقاتل المقاومة وظهرها مكشوف لأعوان إسرائيل بيننا.