لا فائدة من الحديث عن طرق تحديد العدوّ لمكان إسماعيل هنيّة. يخطئ طبعاً من يأمن لضمانات عربيّة أو أميركيّة إذا كان منخرطاً في مشروع مقاومة. عبدالله بو حبيب اعترف لـ«نيويورك تايمز» أنه نامَ مطمئناً لاستبعاد نشوب الحرب، واستفاقَ على ترجيح نشوبها بعد اغتيال هنيّة وشُكر.
بو حبيب صدَّق الضمانات الأميركيّة، كما صدّقها ياسر عرفات قبيْلَ مجزرة صبرا وشاتيلا. هنيّة عاش بين الناس ومات بين الناس. لم يكن منعزلاً في إقامته أو أسفاره. قتل العدوّ له المئات من أفراد عائلته، وفي آخر قصف في غزة رثى أولاده وأحفاده ولم يكن يعرف بالتحديد عدد الأحفاد الذين استُشهدوا.
هذا عدوّ لا يعترف بأخلاقيّات ولا يلتزم بمواثيق أو عهود. الدولة تأسّست جائرة، واحتاجت إلى استمراريّة في العنف الشامل والجمعي المنظم كي تستمرّ.
كان منصب هنيّة سياسياً، لكن العدوّ اغتال لنا كتّاباً وصحافيّين ومُسعفين. كم ظلموه وكم شنّعوا بعائلته. الإعلام في السعوديّة والإمارات أصرَّ على أنه يعيش في القصور والفنادق الفخمة. لم يروا صوره وهو في أزقّة غزة يحتسي الشاي.
طاردوا وقتلوا حتى بنات عائلته. الإعلام السعودي لم يرحمه منذ «طوفان الأقصى». وهنيّة، مثل كل قادة «حماس» للأسف، حيّدَ السعودية والإمارات ولم يوجّه إليهما أيّ نقد.
إسرائيل قتلت المفاوض الفلسطيني فيما لا تزال حركة «حتف» تطالب بالمفاوضات سبيلاً وحيداً لتحرير (بضعة كيلومترات) من فلسطين. أصرّ هنيّة على السفر إلى إيران للقيام بواجب بروتوكولي. لا يفيد لو قلنا إنّه كان عليه أن يكون أكثر حذراً وتجنّب استعمال الهواتف الذكيّة، وخصوصاً الواتس آب.
كان يمكن أن نقول إنّ الدوحة أو تركيا كانتا أكثر أمناً له. اختيار إيران (حيث تعمل خلايا الموساد بنشاط) كان مقصوداً لإثارة الشكوك حول إيران بالنسبة إلى الرأي العام العربي. لم تجرؤ دولة عربيّة واحدة على تقديم العزاء بهنيّة، وهي التي تدفّقت إلى مأتم مجرم الحرب بيريز.
كان محمود عبّاس كالخنساء في جنازة بيريز. هنيّة نال شرف الموت على يد عدوِّه، فيما يقبع عبّاس محمياً من أعداء الشعب الفلسطيني.