ترتسمُ معالم البرلمان الأوروبي: المزيد من التقدّم لقوى اليمين. لكنّ حساب الربح والخسارة أصابه تعديل في السنوات الماضية، ومُيِّعَ التمييز بين اليمين واليسار. وهذا يسري في حالة إسرائيل. لم يعد هناك يسار ويمين في ديموقراطيّات الغرب وإسرائيل. اليسار مات واندثرَ (لأسباب يستحقّها هو لأنه كان في سباق للّحاق بقوى الليبراليّة الرأسمالية، وهذه الظاهرة أصابت قوى الشيوعيّة العربيّة منذ التسعينيّات) واليمين أصبح وسطاً، واليمين هو في الحقيقة اليمين المتطرّف.
في حالة إسرائيل، نتنياهو ليس إلا يميناً متطرّفاً في تاريخ الحركة الصهيونيّة (وهو من سلالة الصهيونيّة المراجِعة لجابوتنسكي)، وأحزاب مثل «الصهيونية اليهودية» و«السلطة اليهوديّة» ليست إلا أقصى اليمين المتطرّف.
كلّ المروحة السياسيّة في هذه الديموقراطيّات انتقلت نحو اليمين، لأنّ الرأي العام ضاق ذرعاً بحماية البيئة وبتخفيف العرق المُكوِّن أو المؤسِّس للقوميّة العرقيّة أو الدينيّة في البلاد. وماكرون من حزب يميني يتنافس مع حزب أقصى اليمين، أي «التجمّع الوطني».
إن ظاهرة صعود الفاشيّة الأوروبيّة (وإن بمسميّات مُخفَّفة) عامل يعتمل منذ سنوات. أسبابه كثيرة: الشعوب الأوروبيّة لا تريد مهاجرين مسلمين أو غير بيض، ولا تريد حماية البيئة وتريد تخفيف الضرائب لأنها تفضّل الرأسماليّة المتطرّفة (رأسماليّة الحريري-السنيورة عندنا)، وتريد أن تعبّر عن قوميّة محليّة ضد الأغراب.
الشعب الأوروبي يريد أن يقطع مع أحزاب الليبراليّة التي انتعشت بعد الحرب العالميّة الثانية، وبدعم وتدخّل أميركيين في الانتخابات (لولا التدخّل الأميركي المباشر، لكان الشيوعيّون قد وصلوا إلى السلطة في إيطاليا بالحد الأدنى. استعانت أميركا بالمال السعودي لدعم قوى اليمين المسيحي المحافظ).
سبع من الدول الأوروبية تحكمها قوى نيو ــ فاشيّة. هذه الأحزاب تغيّر سياساتها الخارجيّة عندما تصعد فتصبح أكثر انحيازاً إلى حلف شمال الأطلسي وإلى إسرائيل.
هذه كانت رحلة «التجمّع الوطني» الذي ابتعد عن روسيا واقترب من إسرائيل عبر السنوات. لا ضرورة لانزعاجنا من هذه الظاهرة الفاشية في أوروبا: علينا أن نرى الغرب (وإسرائيل) على حقيقتهما. كان عرفات يحكم على إسرائيل عبر منظمة «ماتزبن» ذات الخمسة أعضاء. أوروبا تكشف عن وجهها القبيح، وجهها الحقيقي.