ماتَ سليم الحصّ: ماتَ الوطنيّ العروبيّ…

ماتَ سليم الحصّ: ماتَ الوطنيّ العروبيّ، النزيه الفلسطيني الهوى، الإصلاحيّ المعادي للطائفيّة. سليم الحصّ النباتي الذي لم يتحمّل أذيّة الحيوان والذي وقف وحيداً ضد عقوبة الإعدام.

مات الذي أدخلَ نهجاً جديداً في الحياة السياسيّة اللبنانيّة. مات النبيل المخلص الذي لم يسقط أمام حيتان المال والفساد. افتقدنا سليم الحصّ في «طوفان الأقصى» وفي الحرب مع العدوّ. لُقّبَ بضمير لبنان، لكنّه كان ضمير العالم العربي برمّته.

ينسى البعض أن الجامعة العربيّة انتدبته بعد زيارة السادات لنقل الموقف العربي الشامل مع الأمين العام للجامعة العربيّة. سليم الحصّ لم يصعد من وراثة عائليّة أو من مال. اجتهد وكافح ونجح، ثم عاد أكاديميّاً إلى لبنان وأسهمَ في تطوير دائرة الاقتصاد في الجامعة الأميركيّة في بيروت (لا نلومه إذا كان فؤاد السنيورة من تلاميذه الكثر).

مات الرجل الذي لم يتأثّر بالتشويش على المقاومات والذي لم يتأثّر بالتحريض المذهبي والطائفي. في عام 2000، قلتُ له: رفيق الحريري يشنّ حملات مذهبيّة ضدّك، ماذا أنت فاعل؟ قال: لا أنزل إلى هذا المستوى.السياسة بمعناها السوقي والمبتذل لم تكن له.

قد يكون ذلك سبب نجاح الحريري ضدّه. سليم الحصّ لم يتعامل مع المخابرات السوريّة مثل غيره من رؤساء الوزارات: لم يصفِّ حسابات عبرهم، ولم يكن لديه مشاريع ماليّة ليقتسم أرباحها مع قادة المخابرات هنا.

وعندما تغيّر الخطاب عن فلسطين، لم يتغيّر خطاب الحص ولا مواقفه. بقيت لغته هي نفسها، تلك اللغة التي يصفونها بالخشبيّة، فقط لأنه مبدئي. هو عروبي على نسق جمال عبد الناصر. لم ير ضرورة للتكيّف في زمن التطبيع والاتفاقات الإبراهيميّة.

لم يكن تصادميّاً أو مشاكساً، لكنه كان مبدئيّاً، وهذا الذي أبعده عن إلياس سركيس الذي استعان بمطواعيّة شفيق الوزّان. سليم الحصّ لم يدخل نادي رؤساء الوزارات بالمعنى التقليدي لأنه لم يكن تقليدياً.

يجب أن يكون اسم الحصّ على معالم مختلفة من لبنان، وخصوصاً في مدينته بيروت. أليس هو أحقّ بتسمية الشوارع والجادات والمرافق من مستعمرين وجنرالات حرب؟

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات