إسرائيل بالتعريف: واقع استعماري استيطاني احتلالي عنصري إجلائي غريب. هذا التعريف يحدد حقيقة إسرائيل وماهيتها ووجودها.
وليس لأحد أن ينكر دقة هذا التعريف إلا إذا انطلق من انحياز إلى إسرائيل لهذا السبب أو ذاك، وغالباً ما يكون السبب مصلحة، وموقفاً أيديولوجياً.
ولا شك إن واقعة إسرائيل أوسع من تعريفها المجرد، ففيها ما يقرب من مليون ونصف المليون من الفلسطينيين والذين يحملون جنسية الدولة الإسرائيلية، وفي مجتمعها تناقضات طبقية وسياسية وأيديولوجية شأنه شأن أي مجتمع على وجه البسيطة.
هذا الوعي بإسرائيل، وعلى هذا النحو،لا يخلق، ويجب أن لا يخلق أي اختلاف في فهم إسرائيل والموقف منها.
لكن المشكلة تكمن في استبداد إسرائيل بالوعي العربي الذي راح يجعل من وعيه بإسرائيل مدخلاً لكل أشكال وعيه بالعالم، سواء كان ذلك الوعي صادراً عن موقف صادق أو موقف كاذب.
أن تكون إسرائيل ذات مصلحة بوجود ضَعف البنى العربية، سواء كانت بنى سياسة أو اقتصادية أو علمية أو ثقافية، فهذا مما لا شك فيه، فالعدو الضعيف خير من العدو القوي. ولكن أن نجعل من إسرائيل سبباً جوهرياً وأساسياً في تفسير الضعف العربي فهذا هروب من مواجهة الواقع، من جهة، وتحويل إسرائيل إلى قوة مطلقة الفاعلية، من جهة ثانية.
فليست إسرائيل هي التي أنتجت الوسخ التاريخي الطائفي الحزبي والميليشيوي في العراق، بل هو ثمرة من ثمرات الوعي المتوارث الذي ظهر في عصر الدكتاتورية بديلاً سياسياً عززته الدولة الدينية في إيران. لقد وجدت إسرائيل في السلطة الطائفية وفي الصراع الطائفي في العراق مصلحة تقيها شرّ عراق قوي لا طائفي.
وقس على ذلك فيما يتعلق بالعسكرتارية التي نمت في سوريا وقويت بوصفها حامية النظام الحاكم وأساسه، وليس مهموماً بتحرير أرضه المحتلة، فإسرائيل سعيدة بحالة كهذه، ولكن ليست هي التي رسمت ذلك وخططت له ونصبته.
بل إن تحميل إسرائيل مسؤولية وجود الضعف والتخلف والوسخ التاريخي هو تبرئة مقصودة أو غير مقصودة، للقوى المسؤولة عن هذا كله.
فضلاً عن ذلك، فهناك أمر آخر أكثر خطورة من الأمر السابق، ألا وهو الاختباء وراء خطاب العداء لإسرائيل وارتكاب أكثر الحماقات ضرراً بحق الحياة العربية،
وتبرير السلوك الهمجي والإجرامي لبعض الجماعات.
فما العلاقة التي تربط بين خطاب الموت لإسرائيل الذي يرفعه الحوثيون واحتلالهم لمدن اليمن وقراه طمعاً بالسلطة، وما العلاقة بين الموت لإسرائيل وبناء دولة مستقلة سياسياً ومالياً وعسكرياً ومخابراتياً داخل دولة في لبنان من قبل حزب الله.
أين هو الرابط الحقيقي بين خطاب الممانعة الذي يصدر عن سلطة تترك الجولان محتلاً منذ نصف قرن وحتى الآن.
أين هو الرابط بين يوم القدس الإيراني والخطاب العرمرمي الذي يعلن زوال إسرائيل والسياسة الإيرانية المفسدة للعلاقات المعشرية بين سكان المنطقة ؟
ولعمري إن تحرير الوعي العربي من القيل الأيديولوجي الزائف والمزيِّف للوعي والساتر للعيوب مقدمة ضرورية في مواجهة إسرائيل.
فَلَو عدنا إلى التعريف الدقيق والواضح لإسرائيل الذي عرضناه في بداية هذا المقال لما خالجنا شك في إن المواجهة الحقيقية لإسرائيل هي مواجهة كلية ومركبة، مواجهة سياسية واقتصادية ومعرفية وعسكرية وإنجاز الأرض المزدهرة والقوية بالانتماء الوطني.
أجل إسرائيل ليست شماعة نعلق عليها أخطاءنا لإخفاء مسؤوليتنا عن أنفسنا، وليست ستاراً يختفي وراءها من يعادون المجتمع والوطن، والدول الساعية نحو الهيمنة والتوسع. إسرائيل عدو موجود على الأرض ومقاومته تتم على الأرض