الفرق بين العرب والعروبة فرق بين وجود يعيّنه الإتنوس واللغة دون أن يقود ذلك إلى وعي بهوية انتماء أساسية، وهو العرب وبين وجود اشتق من الوجود الأول، ليطرح ما يجب أن يكون خالقا لهوية انتماء كلية موعى بها. ولأن الأمر على هذا النحو فالعرب واقعة بشرية قديمة فيما العروبة وعي جديد. وهذا هو الذي يفسر جدة الكلمة بوصفها مصدرا.
تنتمي العروبة إلى مرحلة وعي نخبة عربية مثقفة بأن للعرب حقا مسلوبا في دولة متعددة الأقوام. وزيادة في الدقة فإن الوعي القومي العربي وإن لم يتخذ من مصطلح العروبة تعبيرا له إلا أن هذا الوعي ينتمي إلى نهاية القرن التاسع عشر، وبخاصة بعد انقلاب الاتحاد والترقي على السلطان العثماني عبدالحميد، حتى ليمكن القول إن القومية التركية المتعصبة والشوفينية أسهمتا إسهاما كبيرا في نشأة الوعي القومي العربي الذي عبّر عنه في ما بعد مصطلح العروبة. أجل لقد جاء وعي النخبة العربية -الشامية بشكل خاص- في مرحلة انحطاط الدولة العثمانية ومحاولة إصلاحها.
إن الرابطة العثمانية وقد بدأت تضعف ويضعف أساسها الإسلامي، وظهور النزعة الطورانية وخطابها العنصري، وحضور أوروبا اقتصاديا وثقافيا، وتكوّن المثقف العربي في علاقة مع هذا كله هو الذي أنتج الشعور بالانتماء القومي لقوم كانوا لمرحلة طويلة جزءا من إمبراطورية متعددة الأقوام إسلامية وحاصلة على هوية عثمانية.
لقد انتشرت النزعة القومية لدى كل الأقوام التي تشكلت منها الإمبراطورية العثمانية في وقت واحد. وليس صحيحا أبدا أن النزعة القومية العربية هي نزعة مثقفين مسيحيين فقط أسهموا في ما بعد بنشرها في أوساط المثقفين المسيحيين. وإذا كانت النزعة القومية العربية نزعة مسيحيين فكيف نفسر النزعة القومية التركية وأصحابها من المسلمين؟
لقد ضمت الجمعيات العربية مثقفي الشرق من كل الأديان والطوائف وإذا اعتبرنا مؤتمر باريس عام 1913 محطة مهمة جدا في تكثيف أهداف الحركة القومية العربية، ومنحها الملامح والأسس آنذاك، فإن هذا المؤتمر قد ضمّ عددا من مسلمي الشام مساويا لمسيحييها. لقد جاء الخطاب القومي العربي الذي كثفته خطب المؤتمرين وقرارات المؤتمر معبرا عن مضمون وعي النخبة بمصالح العرب بوصفهم أمة، ولأول مرة في التاريخ، ولكنها أمة في إطار الدولة العثمانية، حيث لم تكن هناك دعوة إلى الانفصال في هذه المرحلة عن الإمبراطورية، وحسبنا أن نورد قرارات المؤتمر العربي الأول لندرك أن مستوى الوعي القومي آنذاك لم يتجاوز حدود مطالب خاصة بالعرب داخل الدولة العثمانية.
وفي سياق بحثنا في جذور الفكر القومي فإن صاحب كتاب “ثورة العرب الكبرى” أسعد داغر حدد حدود العرب في كتابه “البلاد العربية” ببلاد الشام والعراق وشبه الجزيرة العربية التي تضم الحجاز واليمن وعسير ونجد وحضرموت وعمان وقطر والبحرين والكويت وبادية الشام. وهناك من يعتقد أن الكواكبي هو مؤسس للفكرة القومية قبل مثقفي باريس، بل هناك من يرى فيه مؤسسا لفكرة العروبة.
والحق أن وعي الكواكبي أقرب إلى الوعي الشعوبي العباسي منه إلى الوعي القومي، بل إن مفهوم الأمة لديه ظل غامضا، فمرة يشير إلى معنى الجماعة، ومرة إلى معنى الرابطة الإسلامية.
ولهذا فإن الفكرة التي طرحها الكواكبي هي “الإسلامية”، ففي الإسلامية لا يشكل العرب لديه أمة واحدة، ولم يصدر عنه ما يشير إلى ضرورة قيام دولة عربية موحدة. بل إن قيمة العرب لا تعدو أهميتهم الإسلامية وأرستقراطية الدولة المسلمة، بوصفهم مسلمين أصلاء ولغتهم لغة القرآن.