العلامات
أقصد بالعلامة ما يشير إلى أمر قد يحدث في المستقبل القريب أو البعيد. أو ما يدل على حدوث أمر ما، مع إن للعلامة معاني كثيرة، إلى الحد الذي صار لدينا مبحث خاص يسمى علم العلامات، الذي يدرس العلامات ودلالاتها المتنوعة وأنواعها المختلفة من إشارات المرور وحركات اليد إلى اللغة.
والفطنة سواء لدى الفرد أو الجماعة أو لدى المؤسسة تقتضي الانتباه إلى العلامات لأنها تقول قولاً بما هو واقع أو بما هو آت وتسمح لنا بأن نتعامل مع ما وقع ومع ما سيقع بصورة ناجعة.
حديثي يدور عن العلامات السياسية والمجتمعية والثقافية وخطورة تجاهلها أو غض الطرف عنها أو إخفائها، فعلى الدولة الرشيدة والمجتمع السليم بمؤسساته المختلفة أن يولي هذه العلامات أهمية كبيرة جداً وبخاصة إذا كانت العلامات تدل على ما هو سلبي.
فلقد كان اليهود القادمون من أوروبا في فلسطين منذ بدايات القرن العشرين يقيمون الكيبوتزات والمساكن ويشترون الأراضي ويمتلكون السلاح وكلها كانت علامات على هدفهم الأساسي وهو البقاء والاحتلال وتحقيق قيام » الوطن القومي» كما وعدهم بلفور، لكن أحداً من عرب ذلك الزمان لم يأخذ هذه العلامات بعين الاعتبار اللهم إلا مجموعة من المثقفين والمفكرين والسياسيين الفلسطينيين.
بل إن الكفاح الفلسطيني كان يصطدم دائماً بعدم اكتراث من أهل العربية، وحين جد الجد استطاعت العصابات الصهيونية أن تهزم جيوش الإنقاذ المصرية والعراقية والسورية والأردنية.
ومنذ اعتلاء الخميني سدة الحكم مرشداً «للثورة الإسلامية» في إيران بدأت إيران عبر السياسة الناعمة وعبر يوم القدس وعبر الخطاب المعادي لإسرائيل وعبر حزب الله وما شابه ذلك وعبر المستشاريات الثقافية المنتشرة وعبر احتضانها المعارضة الشيعية العراقية، وكلها علامات على سياسة هيمنة، بدأت تشق طريقها داخل مجتمعاتنا وتقيم مؤسسات اجتماعية وسياسية من أجل الهيمنة.
ولم نأخذ هذه العلامات على مأخذ الجد وها نحن نراها تفعل ما تفعل في العراق ولبنان وسوريا واليمن.
تأمل معي سلطة، مثلاً، تحتكر كل وسائل الإعلام وترى عزوف الجمهور بمجمله عن التواصل مع هذا الإعلام إلا فيما ندر من موضوعات علمية وثقافية، وتكذيب كل ما يصدر عنه ولا ترى هذه السلطة في هذا علامة من علامات ضعفها واغترابها وعلى عدم الولاء لها ومقدمة لانفجار المجتمع ضدها فإنها تمهد الطريق لسيناريو في التمرد لا يدري أحد إلى ما سيؤول إليه، بل والأخطر من ذلك اعتقادها بأن العلة في الإعلام وليس فيها، فتسعى لتحسين الإعلام.
ماذا لو أن جمهور الشباب في بلد من البلدان قد انخرط في عالم التسلية وعدم المبالاة بما يعصف بالوطن من مشكلات، وتفشت فيه ظاهرة تعاطي المخدرات، وازدادت حالات العنف داخله، فإن هذا ولا شك علامة من علامات ضعف الحياة الثقافية والسياسية، وسيكون هذا الجيل صيداً ثميناً للحركات العنفية التي يرى فيها خلاصاً فردياً من عالمه.
ولعمري إن من أخطر العلامات التي لا يُنتبه إليها، وإذا اُنتبه إليها لا تحرك العقل هي تأفف الناس - المجتمع من قوانين لم تعد تستجيب للحياة الجديدة وللحاجات الوليدة دائماً واستمرار هذه القوانين كسلطة ملزمة وعاجزة بالوقت نفسه.
وسيكون البشر والحالة هذه أمام احتمالات عدة: إما التحايل على هذه القوانين بطريقة أو بأخرى سراً، أو انتشار الرشوة والفساد لتجاوز هذه القوانين، فيعم الخراب الأخلاقي خلال فترة قصيرة من الزمن بحيث يصعب بهذه الحالة الحد منه.
أو التعبير بأشكال مختلفة عن التمرد، إما عبر اللغة إذا كان هناك حظ من الحرية، أو عبر التجمعات السرية. وقس على ذلك من علامات متعددة، في كل مجالات الحياة، علامات لا نكترث بدلالاتها فنجد أنفسنا في ورطة مواجهة الوقائع وقد صارت صعبة الحل.