ليس هناك حالة شعب في التاريخ المعاصر استمرت على امتداد قرن من الزمان كما هي حال الشعب الفلسطيني؛ فهو الشعب الوحيد في هذا العالم الذي يعاني من ثلاث صور للتراجيديا ومازال يحتفظ بوجوده شعباً واعياً لذاته.
فالجزء الأكبر منه لاجئ يعيش حال الشتات في دولٍ شتى؛ بل إنّ هناك أجيالاً قضت لاجئة وأخرى تعيش لاجئة وتنجب لاجئين. وصفة اللاجئ هذه تعني بأنّ الوطن الذي تشكل الجغرافيا أحد أهم أسسه الضرورية، ولا يكون الوطن وطناً بدونه، آلَ إلى آخر محتلّ بفعل القوة.
أن يولد الإنسان لاجئاً، وهو لم يقم بفعل اللجوء، واقعة تخلق الشعور بالاغتراب الممض، وتسلب الإنسان الشعور بالانتماء إلى المكان والزمان، وترميه في الزمان المؤقت والمكان المؤقت.
الفلسطيني يستمد من الوجدان الإنساني والضمير العالمي وحضور قضيته في الذاكرة البشرية جزءاً من القوة الروحية التي يتمتع بها.
وجزء آخر من هذا الشعب التراجيدي واقع تحت حكم تمييز عنصري، يحمل جنسية الدولة المحتلة دون أن يمتلك المساواة في الحقوق. الفلسطيني وهو يشعر بانتمائه إلى شعب فلسطيني، يحمل جنسية المحتل نفسه، جنسية سلطة هو لا يعترف بها أصلاً.
أما الجزء الآخر فهو يعيش حال الاحتلال، إنه يعاني من كل أشكال عسف الجيش المحتل من القتل، إلى الاعتقال، إلى هدم البيوت، وإلى مصادرة الأراضي وانتهاءً ببناء المستعمرات.
لكن هذا الشعب التراجيدي هو بطل تراجيدي في الوقت نفسه، لأنه منذ بداية القرن العشرين وحتى الآن يقوم بفعل المقاومة لاستعادة وجوده الذاتي، وليعيش في عالم شبيه بكل عوالم الإنسان: في وطن ودولة.
ولأنّ الشعب الفلسطيني على هذا النحو، ورغم أنّ مصيره هذا كان ثمرة المرحلة الاستعمارية ودولها النافذة، فإنّ العالم لم يستطع أن يغمض عينيه عن مأساته المستمرة.
فالجمعية العامة نفسها التي صوتت على قرار التقسيم في 29 نوفمبرعام 1947 هي ذاتها التي صوتت على إحياء يوم عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في اليوم نفسه الذي لقرار التقسيم.
الكرامة الوطنية الفلسطينية، التي تخوض كفاحاً وطنياً إنسانياً لا مثيل له على مدى قرن، لم تهن ولن تهون
أتراه كان تكفيراً عن ذلك الذنب الذي اقترفته الأمم المتحدة عندما سلبت الفلسطيني حقه في تقرير مصيره على أرضه؟ ربما. ولكن المعنى الأعمق لإحياء هذا اليوم، الذي لن يعيد الوطن لأصحابه، يكمن في إبقاء قضية الفلسطيني حاضرة في الذاكرة العالمية وفي الوجدان الإنساني.
فالفلسطيني يستمد من الوجدان الإنساني والضمير العالمي وحضور قضيته في الذاكرة البشرية جزءاً من القوة الروحية التي يتمتع بها، ومن قوته المادية التي يستلها من أجل العودة والتحرر والدولة- الوطن. بل ويستقوي بالبعد الأخلاقي لقضية صارت، لفداحة فجاعتها، قضية أخلاقية بامتياز.
الفلسطيني الذي خاض كفاحه النبيل ويخوضه للحفاظ على هويته التي فرضت على الإنسانية التعامل معه بوصفه شعباً بكل معنى الكلمة، يعزز حضوره من حيث هو شعب، عبر هذا اليوم العالمي للتضامن معه، ويُبرز بعده الإنساني، وثقافته النيّرة، وإبداعه الشعبي، وتألق نخبه المبدعة في كل مجالات الفن والأدب والفكر والعلم.
في يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني تبرز فكرة الحرية والتحرر من حيث هي خيار وجودي لفلسطين وأهلها، فلسطين المتحررة من كل صنوف العبودية التي هي صفة لاصقة بكل احتلال على هذه الأرض.
في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني يعلن الفلسطيني أمام العالم أجمع: إن الكرامة الوطنية الفلسطينية التي تخوض كفاحاً وطنياً إنسانياً على مدى قرن من الزمان، لا مثيل له، لم تهن ولن تهون أبداً حتى يتحقق حق تقرير المصير له على أرضه التاريخية، وقيام دولته الوطنية وعاصمتها الأبدية القدس الشريف.