منذ بداية الثورة السورية وحتى هذه اللحظة من تاريخها برزت الأشكال الثلاثة من الوعي المعروفة . الوعي المطابق والوعي الزائف والوعي الخاطئ.
كان من الطبيعي أن تكون الثورة السورية قد جاءت متطابقة مع منطق الواقع والتاريخ حيث لم تعد البنية التسلطية قادرة على الحياة , ولم تعد الأجيال الجديدة قادرة هي الأُخرى على الخضوع لعالم قديم من إحتكار القوة و العنف و الثروة . .
ولهذا كان وعي هذا التناقض بين بنية سلطوية شائخة وضعيفة وجسد مجتمعي له منطقه الخاص دون أن يحفل بالقمع مهما كانت درجاته وعياً مطابقاً , وصحيحاً بحركة الوقائع .
بل وإن الإنفجار الكبير للأكثرية نمّ عن تطابق دقيق بين الوعي والواقع , حيث ذهب الوعي مباشرة إلى فكرة الحرية والمجتمع الديمقراطي عن طريق الكفاح المدني فقط .
في مواجهة وعي مطابق كهذا جردت السلطة وعيها الزائف.
الوعي الزائف هنا وعي إخفاء وستر الحقيقة . وعي يدرك حقيقة الواقع ويدرك خطورة الإعتراف بها من جهة فيهرب منها إلى نمط الوعي الكاذب ليزيف به واقع الأمر وحقيقة الثورة من حيث أسبابها وأهدافها .
ففي الوقت الذي تحرك فيه الوعي المطابق في حقل مفاهيم الديمقراطية والعدالة و الديكتاتورية والمجتمع المدني وحرية الحزب والتعبير وفساد السلطة وإحتكار القوة , تحرك الوعي الزائف في حقل مصطلحات : المؤامرة , والتدخل الخارجي , وضرب معسكر الممانعة , والعدو الصهيوني , والإصلاح ” الشكلي ” , و” حماية المواطن ” , و”حماية الوطن تعني حماية النظام ” , والأصولية , والقاعدة .
وكان من الطبيعي أن يتوسل الوعي الزائف هنا العنف في أعلى صوره . قتل , تعذيب , سجن , خطف , ضد الحناجر و الكلمة , أملاً منه أن يدفن الثورة في مهدها . ولقد أجمعت أدوات النظام الأمنية و العسكرية و السياسية على ما يسمى بالحل الأمني مع نوع من المكياج لتجميل وجه النظام القبيح .
ولقد وقع الوعي الزائف في مأزق شديد فهو يدرك من جهة حقيقته القمعية – التسلطية الفاسدة ويدرك في الوقت نفسه إستحالة إصلاحها , أي أن ليده وعي مطابق لحالته . لكن بالمقابل عوّل على الوعي الزائف للخروج من هذا المأزق الذي ولّدته الثورة الشاملة.
في إطار هذين الوعيين . برز الوعي الخاطئ لدى حدي الصراع : الثورة من جهة والنظام من جهة أخرى.
الوعي الخاطئ هو وعي يعتقد صاحبه أنه صواب لتأتي الخبرة لتعلن خطأه.
فلقد إعتقد النظام – جازماً – أن إستخدام العنف في أعلى درجاته هو الوسيلة المثلى لوأد المظاهرات والتخلص من هذه الثورة الشعبية السلمية . وإذا ما أنتج هذا العنف (( جماعات مسلحة )) , فإنه سيسهل القضاء عليها بما يمتلك من أجهزة أمن وجيش يغلب عليهما الطابع الطائفي .
وعوّل على منطق قياس الشاهد على الغائب . حيث اعتقد أن تجربته مع تنظيم الطليعة الإخواني في الثمانينات قابلة للتكرار
لقد أدى عذا الوعي الخاطئ إلى تحويل الثورة السورية من ثورة شعبية سلمية إلى ثورة شعبية مسلحة وإلى ظهور الجيش الحر وما شابهه من تنظيمات وإلى فقدانه السيطرة على البلاد وفقد بدوره السيطرة على سلوكه , وإنتظام الثورة في كل عموم سوريا بإستثناء المناطق ذات الأكثرية العلوية . ولا ضرورة لسرد الوقائع التي يراها الأعمى.
وبالمقابل تورط الوعي المطابق بوعي خاطئ حيث إعتقد أن تجربة التخلص من القذافي قابلة للتحقق في سوريا , وإن الغرب وأمريكا سرعان ما سينتزعون هذا النظام من الجسد السوري بالتحالف مع الثورة . ومما زاد من الأثر السلبي لهذا الوعي الزائف التأييد المطلق لتركيا وقطر .
لم يسأل الثائر السوري عبر مؤسسته الأولى : المجلس الوطني ماهي مصالح الغرب و أمريكا في سوريا وما هو موقف إسرائيل وهو يعلم أن مصالح الغرب وأمريكا و إسرائيل شبه متوافقة .
لم يستطع أن يعي أن سوريا الدولة الديمقراطية هي خطر بالنسبة إلى الغرب وامريكا وإسرائيل . وإذا كان الوعي الخاطئ لدى النظام قد جر سوريا إلى ما نشهده الآن فإن الوعي الخاطئ للمعارضة قد أخر من إنتصار الثورة وعقّد من تكتيكاتها لتحقيق أهدافها .
كان الوعي الخاطئ عثرة أمام رؤية المستقبل . فالقناعة أن النظام على وشك السقوط دفع قوى كثيرة للتفكير في وراثة السلطة وخاصة لدى الإخوان المسلمين . ولهذا نشأ الصراع على السلطة قبل زوال السلطة السائدة , وهذا أمر يدعو إلى الدهشة . وصراع كهذا جرّ أطرافاً عديدة لتكون ذات إرتباط بقوى خارجية إعتقاداً أن الحل بات خارج سوريا.
ولاشك أن هناك إختلافاً بين الوعي الخاطئ لدى المعارضة و الوعي الخاطئ لدى النظام .
فالوعي الخاطئ للمعارضة متكئ على وعي مطابق , فأثر سلباً على الوعي المطابق وأنتج ععقبات أمام سيرورة الثورة .
فيما الوعي الخاطئ لدى النظام متكئ على وعي زائف وهذا الذي أدى إلى حمام الدم السوري .
وفي الوقت الذي تكون المعارضة قادرة على تصحيح وعيها الخاطئ عبر النقد و الإختلاف بين فصائلها وإن بصعوبة . فإن الوعي الخاطئ لدى السلطة غير قابل للتصحيح لأنها غير قابلة لأن تعترف بمنطق التاريخ و الحق .