ليس هناك ثقافة أدنى الى السلم المجتمعي والسلم الأهلي أكثر من الثقافة السورية. بل إن استخدام العنف مجتمعيا وأهليا في سوريا يكاد يكون نادرا جداً. سواء كان ذلك في عالم المدينة أو في عالم القرية. و ليس هذا فحسب بل إن العنف السياسي لم تعرفه الحياة الشعبية السورية . كما لم يعرف المجتمع عنفا طائفيا أو عنفا مناطقيا او عنفا قوميا.
وحتى الإنقلابات العسكرية التي تمت جميعها منذ بداية الاستقلال حتى انقلاب وزير الدفاع حافظ الأسد عام 1970 انقلابات تمت دون دماء. ماعدا محاولة انقلاب 18 تموزالناصرية الفاشلة.
و ليس استطالة الحرب الأهلية في جبل لبنان عام 1860 لتصل الى الشام بشكل بسيط وحماية عبدالقادر الجزائري للمسيحيين إلا حادث عابر في تاريخ سوريا.
إذاً من أين وكيف نشأ كل هذا العنف الذي نشاهده اليوم من قبل النظام و آلاته المدمرة و داعش و وما شابهها.
لقد تأسس العنف في سوريا بوصفه طريقة في الحكم و من أجل الاستمرار في الحكم منذ الإنقلاب العسكري المشؤوم الذي قاده وزير الدفاع في 16 تشرين عام .1970
ثلاث قوى عنفية جردها النظام ضد المجتمع: شعب الأمن وفروعه و مفارزه. و هي أداة العنف المطلقة ضد أية معارضة ولو شكلية للنظام وهي ذات اغلبية طائفية ذات ولاء كلي.
وقوة عسكرية جبارة منتشرة في كل انحاء سوريا جاهزة لقمع أية محاولات لقلب النظام إذا ما عجزت القوة الأمنية عن القيام بذلك.
وقوة حزبية عنفية ناعمة للسيطرة على المؤسسات و النقابات. وتسليحها عند الحاجة.
في السبعينات من القرن الماضي جرد النظام عنفه الامني ضد كل الحركات السياسية غير المعترفة بسلطته والتي لم تمارس أي عنف مسلح ضده. الحزب الشيوعي السوري(رياض الترك)، رابطة العمل الشيوعي، حزب البعث (صلاح جديد( حزب البعث (ميشيل عفلق( الوحدويون الاشتراكيون (جمال الأتاسي) الأخوان المسلمون. و استخدم العنف ضد أي فرد عسكري أو مدني صدر عنه قول نقدي ينال من شخصية حافظ الأسد أو يشير إلى طائفية النظام. فلقد امتلأت السجون بالمعتقلين عرفيا، وبعض السجناء قضوا داخل السجون.
وفي الفترة نفسها حين اختط جزء من الأخوان المسلمين طريق العنف والقتل والإرهاب وسيلة للتخلص من النظام جرد النظام كل أدوات عنفه الثلاث دفعة واحدة وبصورة مدمرة جداً لا علاقة لها بمنطق الدولة والقانون. بل تأسست دولة الطوارئ، فاستباح العنف كل مجالات الحياة وأصبح عنف الجهاز الأمني بنية صلبة و قوية عصية على الإزاحة وصار حاكم النظام نفسه محكوماً بهذه البنية وحاكم لها.
وعلى امتداد عقود من الزمن على هذه الحال وخضوع الحياة لمنطق الأمن و اللاقانون و تدمير العنف الهمجي للحياة الطبيعية مع ازدياد العصبية الخائفة من المجتمع سادت ثقافة العنف في المجتمع السوري. عنف ظاهر تمارسه الجماعة الحاكمة دون أن يرف لها جفن، وعنف مستتر ينتظر اللحظة لممارسته كي يتخلص من العنف الظاهر.
لقد خربت الجماعة الحاكمة قيم السلم الاهلي والمجتمعي ودمرت العلاقات المعشرية في التعايش.
وما إن انفجرت الثورة السلمية في الساحات والشوارع حتى ظهر العنف الهمجي للسلطة بأعلى درجاته اللامعقولة، أمنيا وعسكريا. وزاد عليه عنف الميليشيات الطائفية من ايران والعراق ولبنان، وبالمقابل ظهر العنف المضاد عند الحركات الأصولية العنفية، وعند قوى عسكرية مناهضة للجماعة الحاكمة. فاكتملت دائرة ثقافة العنف.
وبالمقابل فإن المجتمع ككل لم يدخل هذه الدائرة رغم عدائه واحتقاره للسلطة الحاكمة فكان اللجوء…