منذ نشأة المسألة الشرقية ، وظهور ما يسمى اقتسام تركة الرجل المريض ” أي الدولة العثمانية ” نشأ الصراع بين الدول الإستعمارية القديمة على بلاد الشام والعراق . وكان الصراع على بلاد الشام أكثر بروزاً . لما تتمتع به من مكان خاص على المتوسط وبما تحتويه من تنوع ثروات مهمة في ذلك العصر ، وتقدم مديني يسمح ببناء دولة ذات شأن .
و اللافت للنظر بأن دول ذلك الزمان أقامت علاقات مع قوى داخلية ، فلقد بنى الفرنسيون علاقات مع موارنة لبنان ، والإنكليز مع الدروز والروس مع سنة ظاهر العمر .
ثم كان ما كان ، مما هو معروف ، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى . حيث جعل الإنتدابان الفرنسي والبريطاني من بلاد الشام أربع دول . واحدة أهديت الى الحركة الصهيونية ، واحدة أهديت الى الامير عبدالله و واحدة أهديت الى البطريارك حويك و ما تبقى صار سوريا الراهنة بعد رفض أغلب نخبها السياسية والإجتماعية آنذاك سكانها التقسيم الفرنسي لما تبقى من بلاد الشام .
وها نحن نشهد الصراع على سوريا مرة أخرى ولكن بصورة مختلفة فها هي الصين ستتدخل أيضاً عسكرياً إلى جانب روسيا و امريكا وبريطانيا و فرنسا في سوريا ، أي إن كل أعضاء مجلس الأمن الدائمين صاروا في المعمعة السورية . لأول مرة في تاريخ مجلس الأمن يرسل أعضاؤه الدائمون قواتهم العسكرية مجتمعين دون قرار مجلس الأمن . والدول الإقليمية كإيران وتركيا تدخلان كجزء ليس حاسماً من هذا الصراع ، هل نحن أمام دول انتداب ؟ ما الذي تبقى للجماعة الحاكمة كي تحكم ؟
ماذا تريد روسيا ؟ أولا إن ذهنية النظام الحاكم في روسيا مازالت حتى الآن ذهنية همجية لم تخرج من الذهنية الستالينية- البريجنيفية . ولهذا توافقت مع أحط الذهنيات الهمجية ضد الشعب السوري ، قتل السوفيت –1،500,000 أفغانياً مدنياً ، وشردوا 5 ملايين لاجئ خارج أفغانستان و 2 مليون مشرد داخلي و نحو 3 ملايين جريح ، هذه الذهنية تريد لها مكاناً دائماً على المتوسط ، فعقدة الوصول إلى البحار الدافئة لدى روسيا مازالت تحرك سياساتها في بلادنا .و الروس يعرفون بأنهم لن تقع سوريا كلها تحت انتدابهم ، ولهذا سيكتفون بجزء من الساحل السوري إذا لزم الأمر ، ومن هنا فالقوة الداخلية التي يعتمدون عليها هي الجماعة الحاكمة لجزء من سوريا.
الأمريكيون حتى الآن لم يحددوا بدقة حدود انتدابهم ، ولكن الشمال السوري على ما يبدو هو المنطقة الحيوية التي يريدون ، والقوى الكردية هي القوة الأساسية الداخلية المساعدة لهذا الإنتداب ، فيما الجنوب السوري ، بسبب قربه من ” إسرائيل ” فسيكون منطقة انتداب مشترك ،بريطاني فرنسي ، أمريكي ، بتوافق مع قوى محلية ومع حكام شرق الأردن الذين يطمعون بالجنوب السوري علهم يحصلون على منطقة خصبة تخضر مملكتهم القاحلة . أما الصين فهي بالغالب تاجر جملة ومفرق ليس إلا .
في حضور الدول الخمس هذه ، فإن إيران وتركيا سيكون لهم بعض الفتات لا ندري ما هو شكله ، ولكنه فتات بسيط جداً.
من الخطر الأكبر على سوريا هو إن الصراع على سوريا صار جزء من الصراع في سوريا ، لقد قاد النظام بغبائه العبقري سوريا من حالة شعب ثائر يريد تغيير النظام السياسي لقيام دولة وطنية جامعة ديمقراطية إلى حالة صراع على سوريا ليس له فيه أية قيمة إلا اللهم كطرف ضعيف إلى جانب أحد المتصارعين العالميين وهو : روسيا.
إذا كان الأمر كذلك ، وهو كذلك ، فإني أعتقد جازماً ، بأنى على النخب السورية الوطنية التفكير الآن بالانتقال من الثورة الاجتماعية – السياسية ضد الاستبداد إلى حركة ثورية لنيل الاستقلال سوريا من المحتل وأعوانه، لأن سوريا الآن و عملياً واقعة تحت انتداب حقيقي.
من يريد استعادة سوريا دولة موحدة ذات استقلال وسيادة ونظام ديمقراطي يكون ثمرة عقد وطني فإنه يجب أن يفكر على هذا النحو .