لم يعد عبد الله المعياري يسمع الرّئيس.. وهذا تطوّر هام. فقد تورّط في بعض يومه في مجاراة تفيهقه في اللّسان وتوسّعه في العبارة فلمّا تهامس حوله جلاّسه عرف أنّه يتقعّر فاكتفى منه بالإنصات.
لم يجد في كتاب "علم المعيار" - على سعة ساحله - شيئا يخصّ العيّ واضطراب الألسن إلاّ فقرة في ذيل باب " الهثرمة" عندما كان يتعهّده بالغِراء بعد أن ألقاه مرّة في وجوه أصحابه فتفلّتت ورقاته.. ولم يكن البول متاحًا.
كانت العجوز يوم أن قرّر عبد الله أن لا يسمع الرّئيس، تطحر من إلتهاب في المرارة وتلقم حبّات من الحِلبة فتفسد عليه أمره. نهض قائلا :" اللي تاكله العنز جداري يظهر على جلدها دباغ".. وقبل أن يصل الباب شُبّه له أنّها شتمته فأدخل ذلك في باب "هثرمة العجائز"..
لمّا حلّ حَبْوتَه بين جُلاّسِه في عشيّة باهتة وتفقّدهم في حلقتهم قال :" يا جماعة شنهو اليوم؟" قالوا :" الاربعاء.. تي ماهو اليوم سوق" قال :" وحقّ الذي خلق الإربعاء وما جاورها سنلاحقكم في البرّ وتحت البرّ ..." فلمّا تهامس صحبه وانفرط ضحكهم عرف أنّه عاد إليه تقعّره فضرب بكفّه على جبهته وقال :" الله يلعنك يا بليس "!..
كنت غير بعيد عن عمّنا عبد الله فلم أجرؤ على الضحك فقدّر ذلك وقال لي :" والله خسارة فيهم ها العلم.. باللازمة ما وخّذونا كان هوضة ".. كنت سأنطق فازورّ عنّي وعاد إلى اشرئبابه كجحش وقال :" النّاس الأولة قالت : كان المتكلّم مجنون يكون العقل م السّامع.. والطبل اللي يقربع يجيه وقت ويتقعر.. واللي حديثه بلا ثُمرة والهثرام إلّي بلا غَلّة سكاته خير .. فهمتوا؟ "..
قالوا جميعًا :" فهمنا ".. استعدّ عبد الله للنهوض راضيا لأوّل مرّة لولا أنّ أحدهم وكان مستلقيا على ظهره قال :" معناها حديثك الكلّ في وذني "!
وكان عبد الله عاقلاً..