نُبئتُ أنّ عبد الله المعياري قد نوى أمرًا مضى فيه، لا يلوي ولا يتنكّبُ فلعبد الله من دهره "ما لوى" أمّا هذه فقد أقسم عليها غير حانث .. كان هذا في مجلس لم أحضره لحاجة أقضيها في المدينة فبُعلتُ . فلمّا كان من الغد بكّرت إلى مجلسه فضربت أرباعي في أخماس عبد الله فوجدتُ أنّ الأمر لا يكون إلاّ من وسوسة شيطان الوحدة .لقد قرّر عبد الله بن العباس بن الشارف شُهر المعياري أن "يترشّح" وأخبر صحبه فانفضّوا من حوله ومنهم من أقسم بطلاق زوجته أنّه بريء منه إلى يوم قيام الساعة ..
بقيت أنا مترقّبا قدومه يائسا من اجتماع صحبه..
فلمّا اشتمله ظلُّه، ظهر وقد بدا حسن الهيئة نظيف الثّوب ويرفلُ متهنكرًا، حتى لَتراءى لي أنّه يمشي جذلاً.. وخطر لي أنّ العجوز لم تسلم! صاحبي وأعرف غزواته.. قال لي وهو ينزع كبّوسه ويضعه على ركبته القائمة أمامه كرُكبة جملٍ:" تي وينهم هاك الخوّافة؟! بالاّزمة ما تحصّل منهم كان الرّيح.. فالحين كان في التجغجيغ والفعل ربّي ينوبه.. ".. تركت عبد الله المعياري يسترسل منتظرا أن يعرّج على مسألة "الترشّح" هذه وأمسكت نفسي عن سؤاله خشيةَ أن يطردني فلا أدوّن أخباره لجيل لن يراه أو يسمع به.
ظلّ عبد الله يهذي ولا يكاد يقول شيئا ويلوي عنقه كالمنتظر أمرًا حتى رفع كبّوسه عن ركبته وعدّله على رأسه ورتّب من نفسه وهمس :" هاهم جَوْا هاك الدراويش".. كان جلاّسه ساعتها يتقاطرون من كلّ فجّ كالمجاذيب.. فعلمت أنّ لهذا الرّجل سطوةَ من لا تحبّه ولا تصبر عليه.
وكأنّهم فرقة باطنية قدّموا أغزرهم شيبًا فقال :" شوف يا سي عبد الله.. رانا عارفينك راجل واعر وصدرك فايض بالمعيار الحقّاني، ولكن ها حكاية "الترشّح" هذي راك باش تباصينا في جرّتك بيها.. وأسمع نقولك راهو هاك عبد الله بو راس تراش جابدلك من حكاية"..
وقفت أذنا عبد الله المعياري وحَرَدَ ثمّ قال:" حكاية أشنهي؟! " أجاب :" قال عندك ملفّ ".. وصمت. زاد عبد الله في غضبه وزاد قلبي في وجيفه. قال :" بالله توّه نلفّك.. تي حلّ جلغتك "قال الأشيب ملتفتا نحو صحبه الذين يستحثّونه :" قال عنف ولاّ شنهي.. إيه! معاملة خايبة للعزوز والقانون يعطيها الحقّ وراهي الحكاية فيها حبس ".. نظر إليّ مستفهمًا فقلت :" ظاهرلي عنف ضدّ المرأة عمّي عبد الله".. سأل :" أناهي مرأة؟ و وين نعرفها أنا؟! ".. قلت له :" يقصد العزوز".. فضحك حتّى ذهب كلّ ترتيب لهيئته وقال :" درا حاسبين العزوز عندي مرأةٌ " - هكذا نطقها منوّنة -.. ثمّ هدأ وقام فعلمت أنّه لا شكّ فاعلها. لكنّه قال :" يلعن بوه الكلب.. بالك مترشّح للجمهورية أنا؟! تي هو مجلس تصُرّف فيه كان المقمّلين اللي كيفكم.. وزيد كنت نجرّب فيكم يا وْهَبْ.. بالله عبد الله هاكة وشويّ فيكم.. هيّا عاد نوضوا من قدّامي ما فيّاش باش نشوّه جبّتي بالبول.."
انفضّ المجلس وبقيت وحدي مع عبد الله وهو يردّد ضاحكًا :" تطلعش العزوز إمرأةٌ - هكذا بالتنوين دائما - وأنا راقد على أوذاني.؟! "
كان هذا في سبعة أيّام خلت من شهر" الترشيح الأعظم".