ليس كأعياد "الاستقلال" بهجة للشعوب المتحررة التي دفعت " ثمنًا " يليق بتلك اللحظة.. لمثل هذا تحتفل وتزيّن مدنها وترفع أعلامها وتؤلّف أناشيدها وتستذكر ملاحم أبطالها وتقيم الإستعراضات العسكرية وتحفّز أبناءها على التمسّك بالهوية الوطنيّة. أمّا عند شعب الله التونسي فهو مناسبة لإعادة طرح سؤال واحد :" هل تحصّلنا فعلاً على استقلالنا عن" بلاد العكري "؟" في صيغة أقرب للإنكار منها إلى الإقرار... وبدون أيّ مظهر إحتفالي يذكر.
هذا سؤال أشقى الوعي الوطني فيما بعد الإعلان عن الإستقلال "المُجزّأ" المنتصر للخطّ البورقيبي باستبعاد الخط اليوسفي. ودون العودة للحدث التاريخي الذي قسّم التونسيين ولا يزال ( أعتقد أننا لم نغادر الصراع نفسه وإن أخذ مسميات أخرى) فإنّ أوجع لحظة وأكثرها تجهّما في كلّ ما حدث هو "تسليم سلاح الفلاّڨة" بأمر من بورقيبة كشرط لدخول مفاوضات "نقل السلطة"! بشكل ما هو فضّ اعتصام القصبة 1و2 كشرط للتفاوض على إعادة ترتيب مرحلة ما بعد الثورة! التفاوض تحت القصف هو الذي كان ينقصنا دائما فندخل بعدها مرحلة ملتبسة غامضة فلا نصرًا حصّلناه ولا هزيمة تلحق بنا عارًا.
قلت إنّ عملية "تسليم السلاح" هي أكثر ما بقي من شقاء في الوعي الوطني لأنّها لا فقط قسّمت الجبهة الداخلية، بل لأنّها كانت صفعة مهينة ل"الفلاّقة" قل للمقاومة المسلّحة التي كانت المعادلة الوحيدة التي لا تقبل القسمة. إذا كنت من المحظوظين مثلي وقابلت أحد أولئك وحدّثك عن اضطراره ل" بيع سلاحه" عوض تسليمه لعلمت أيّ خجل يصيب المقاتل!
هذه المقالة ليست للإجابة على السؤال أعلاه لأنّ جوابه منوط بما يمكن أن تنجزه الأجيال القادمة بل فقط لإستحضار لقطة سينمائية للعبقري "مصطفى العقّاد" في فيلم عمر المختار والكاميرا تتبع يده وهو يضع بندقيته فوق "طاولة المفاوضات" قبل بدء التفاوض..!
لقد كان ينقصنا هذا دائما.. يا ولدي.