لو كانت كذلك، لكنا رأينا «سارة نتنياهو» تأكل «بوظة بكداش» في دمشق و «حلويات غروبي» في القاهرة ... كما تعهدت «يائيل دايان» أن تفعل قبل خمسين عاماً!
في 11 تشرين الأول / أكتوبر 1973، أعلنت النقيب «يائيل دايان»، ابنة وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك «موشي دايان»، والناطقة باسم الجيش الإسرائيلي، أن الإسرائيليين مدعوون ليأكلوا «بوظة بكداش» في دمشق، و «حلويات غروبي» في القاهرة، قريباً جداً. وتعهدت بأن يكون ذلك «على حسابها الشخصي! »
كان من حقها أن تقول ذلك، فقد كانت موجة الحرب انقلبت قبل ثلاثة أيام لصالح الإسرائيليين، بسبب الخونة والمجرمين الثلاثة «السادات» و«أحمد اسماعيل علي»، ومعهما رئيس الأركان وكبير بغال الجيوش العربية، الطنبرجي «سعد الدين الشاذلي»، الذي صنع منه الغوغاء والرعاع العرب أيقونة عسكرية، رغم أنه مجرد طبل أحمق، فضلاً عن كونه شخصاً سافلاً و حقيراً ومنحطاً أخلاقياً، رضي لنفسه أن يدخل في مؤامرة خسيسة مع رئيسيه من خلال خداع «حافظ لأسد» وبيعه خطة حربية وهمية، كما اعترف لاحقاً في كتابه الصادر بالإنكليزية (تجنب ذكر ذلك في مذكراته بالعربية)! وعلينا أن لا ننسى المجرم الرابع، الجاسوس «محمد حسنين هيكل»، ضابط الاتصال (إلى جانب «حافظ اسماعيل») بين هؤلاء المجرمين و وكالة المخابرات المركزية طوال الحرب، من خلال رئيس محطتها السرية في القاهرة آنذاك، «آرثر مارش ناينر. »
لم تكن إسرائيل بحاجة إلا لأقل من أسبوعين لكي تحتل حوالي 400 كم مربع إضافية على الجبهة السورية (أي ما يعادل ثلث مساحة الجولان المحتلة أصلاً، وما يفوق مساحة قطاع غزة) و حوالي ألفي كيلو متر مربع على الضفة الغربية لقناة السويس ( أي ما يعادل خمسة أضعاف قطاع غزة تقريباً)، فضلا عن أسر الجيش الثالث بأكمله (حوالي خمسين ألف ضابط وجندي) لمدة ثلاثة أشهر وحتى ابرام اتفاقية فصل القوات الأولى. وكانت احتاجت قبل ذلك بست سنوات، في حزيران / يونيو 1967 ، لخمسة أيام فقط كي تحتل سيناء والجولان والضفة الغربية بأكملها (حوالي 70 ألف كم2 في مجموعها، أو ما يعادل تقريباً مئتي ضعف مساحة قطاع غزة). ذلك رغم أنه كان في مواجهتها في العام 1973،على الجبهتين ، قرابة خمسة آلاف دبابة وحوالي مليون مقاتل، وأكثر من سبعمئة طائرة!
للأمانة التاريخية، وللإنصاف، لم تكن مسؤولية تلك الكوارث بسبب الجنود العرب، ولا حتى الضباط ذوي الرتب الدنيا والمتوسطة. فهؤلاء قاتلوا بشجاعة لا مثيل لها في الحربين، كما في الحروب الأخرى، ودفعوا ثمناً باهظاً في الأرواح، خصوصاً على الجبهة المصرية . فعلى هذه الجبهة أبيد الآلاف من أسراهم برشاشات الحوامات الإسرائيلية أو برشاشات الجنود الإسرائيليين، قبل أن يُدفنوا في مقابر جماعية كانوا أجبِروا على حفرها بأيديهم قبل إعدامهم، أو جرى حفرها بالجرافات، وتستر «عبد الناصر» و كل من ورثوه لاحقاً على قصتهم التراجيدية الرهيبة. والمئات منهم دفنوا أحياء، لأن جراحهم لم تكن قاتلة، ولا تزال مقابرهم الجماعية سراً مجهولاً بالنسبة للمصريين حتى اليوم، ولم يطالب نظام الجواسيس الساداتي يوم توقيع «اتفاقية كامب ديفيد» حتى بخرائط مقابرهم الجماعية، على الأقل لكي يجري تكريمهم ولو بنصب تذكاري، ولكي لا يبقوا كما لو أنهم جِيَف دواب جرى دفنها بعد نفوقها!!
ولكن حين يكون كبار قادة الجيشين عملاء وجواسيس ومشغولين بالعاهرات والقحبات والدعارة والتجارة والجوسسة، ومؤهلاتهم العسكرية لا تزيد كثيراً عن مؤهلات «مصطفى طلاس» و «سعد الدين الشاذلي» (الذي وصل به الخبل إلى حد التفكير - كأي حمار ذي طمّاشتين - بردم قناة السويس بالرمال من أجل العبور!!)، عليك أن لا تنتظر سوى تلك الكوارث. فجميع قادة «عبد الناصر» العسكريين، تقريباً، كانوا عملاء للمخابرات الألمانية والبريطانية والأميركية، وبعضهم (مثل قائد سلاح الجو«محمد صدقي محمود») كان مرتبطاً بالموساد الإسرائيلي عن طريق الضابط النازي «أوتو سكورزيني»( مستشار «ناصر» لشؤون الدعاية!) منذ العام 1953، ورفض «ناصر» إقالته ومحاكمته وأبقاه 18 عاماً على رأس سلاح الجو حتى دمره كله مرتين، في العام 1956 والعام 1967، رغم أن الألمان الشرقيين كانوا أبلغوه بأمره وحذّروه منه باكراً جداً، لكنه – كأي عربي أحمق و أرعن- رفض ذلك وادعى أن هذه «فرية شيوعية – يهودية ضد أحد ضباطه الشرفاء». وحين قرر محاكمته في العام 1968، بعد «خراب البصرة» كما يقال ،سحب أوراق قضية التجسس من ملفه في المحكمة، واكتفى بمحاكمته لأسباب إدارية تتعلق بالتقصير والإهمال. ولا يزال الملف محفوظاً حتى اليوم في رئاسة الجمهورية، رغم أن الجاسوس «هيكل» سلم نسخة منه لمحطة المخابرات البريطانية في القاهرة في عداد مئات الوثائق التي سرقها من خزنة وثائق «عبد الناصر» الشخصية في منزله بعد وفاته بساعتين وبينما كان أفراد عائلته لا يزالون يبكونه في غرفة نومه!
هؤلاء الضباط هم أنفسهم تقريباً الذين بقوا في عهد «السادات». ومن كان منهم سُرح أو طُرد من الجيش سابقاً (كما في حالة البغل «أحمد اسماعيل علي»، المشهور ببلادته الذهنية)، أعاده «السادات» إلى الخدمة بعد انقلابه في العام 1971.
ولم يكن الوضع على الجبهة السورية أفضل حالاً. فحين اندلعت حرب أكتوبر، كان هناك أربعة جنرالات كبار على الأقل من قادة الجيش السوري مخترقين لصالح الموساد الإسرائيلي من قبل المخابرات الأردنية منذ ستينيات القرن الماضي. وقبيل اندلاع الحرب، قاموا بإبلاغ مشغليهم الأردنيين ( «طارق علاء الدين طوبال» و «عبود سالم حسن») بتاريخ وتوقيت الحرب وخططها، فحملها الملك الجاسوس «حفيد النبي» إلى «غولدا مائير» يوم 25 سبتمبر 1973، بعد أن تسلل سراً إلى إسرائيل بطائرة هيلوكبتر، ومعه «طوبال» و مدير المخابرات العسكرية آنذاك، الجاسوس الآخر «غازي عربيات! »
نحن الآن في اليوم السادس بعد المئة من حرب الإبادة على غزة. ورغم أن إسرائيل ألقت في قصفها السجادي ما يزيد عن خمسين ألف طن من القنابل على قطاع غزة ( وهو ما يعادل ضعفي ما استخدمته إسرائيل في حروبها كلها مع العرب، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التطور الهائل في مجال القوة النارية للذخائر)، واستخدمت خمس فرق مدرعات في حربها( أي أكثر مما استخدمته في حرب أكتوبر على الجبهة المصرية)، وقتلت وجرحت أكثر من ستين ألفاً أغلبيتهم الساحقة من النساء والأطفال ( وهو ما يفوق كل من قتلتهم من العرب الآخرين في حروبها كلها منذ العام 1948)، فإنها لا تزال عاجزة عن السيطرة الاحتلالية على قطاع غزة الذي لا تبلغ مساحته سوى 360 كم مربع، رغم أن من يقف وجهها مجرد حفنة من المقاومين لا يعادلون ـ بقضهم وقضيضهم – إلا أقل من فرقة في الجيش السوري أو المصري!
لحس الحظ أن هذه الحرب ليست على الجبهة المصرية أو السورية، وإلا لكنا رأينا «سارة نتنياهو» تأكل «بوظة بكداش» في دمشق و «حلويات غروبي» في القاهرة (أو محلات «زلاطيمو» في «العبدلي» وسط عمّان)... كما تعهدت «يائيل دايان» أن تفعل قبل خمسين عاماً، ولكن على حسابنا الشخصي هذه المرة!