السؤال المفتاحي الذي لم يطرحه أحد بشأن أجهزة «بيجر» المفخخة

من هو الوسيط / المورّد الذي قام بشراء الأجهزة لصالح الحزب!؟ هل هو فعلاً تاجر سوري مرتبط بإدارة المخابرات العامة و الملحقية التجارية الهنغارية في دمشق!؟

رغم هول المأساة ( مذبحة ثلاثة آلاف لبناني)، كثيراً ما أضطر للضحك حين أقرأ بعض التعليقات المتصلة بالجانب الأمني للقضية. وهي إذ تعبّر عن شيء فإنما عن جهل الناس بطريقة عمل «حزب الله»، والخرافات التي يختزنونها من قراءاتهم ومشاهداتهم للإعلام العربي المتصهين. وربما يصل الخيال بالبعض إلى حد تصوّر أحد نواب «الحزب» في البرلمان ذاهباً إلى تايوان، وهو يرفع علم الحزب أو صورة «نصر الله» أو «الخميني»، ليشتري أجهزة «بيجر» أو سيارات أو دارات إلكترونية معينة أو ما شابه ذلك.

ليكن معلوماً للجميع قبل أي تنجيم واجتراح نظريات أمنية خنفشارية: الحزب لا يشتري شيئاً على الإطلاق، حتى على مستوى فناجين قهوة أو كاسات شاي أو مماسح حمامات، باسمه أو اسم أي شخص معروف أنه من حلقاته القيادية، أو حتى الوسطى، وإنما عبر مورّد / وسيط تجاري، سواء أكان ذلك من السوق المحلية أو الأسواق الخارجية.

والشرط الأمني الأساسي الذي يجب توفره في هذا الوسيط ( الذي قد يكون فرداً طبيعياً وقد يكون شخصاً اعتبارياً/ شركة) هو أن لا يتلفظ بحرف واحد عن هوية المستهلك النهائي للسلعة مهما كان نوعها (بافتراض أنه يعرفه). وللحزب وسطاء / موردون متخصصون ( لبنانيون وسوريون وإيرانيون وعرب آخرون، وحتى أجانب من قارات أخرى في بعض الحالات الخاصة) ، بدءاً من كاسات الشاي ومماسح الحمامات والمنظفات، وانتهاء بالصواريخ والأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى ذات المنشأ الغربي (وحتى الأميركي والإسرائيلي) التي يضطر لشرائها من تجار السلاح في السوق السوداء الدولية من أجل الاستخدام الفعلي أو التدرب على كيفية مواجهتها، كما فعل مؤخراً حين اشترى من تجار سلاح أوكرانيين قناصات حرارية غربية و بنادق إلكترونية للتشويش على عمل طائرات الدرون المعادية(أجهزة Droneshield Jammer) ، وهي التي ظهرت للناس مؤخراً في إحدى مناسباته ولم يعرفوا طبيعتها، وراحوا يتندرون عليها على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب شكلها الغريب والمضحك .

وفي معظم الحالات يشتري البضاعة (مهما كان نوعها) باسم أشخاص ليس معروفاً أنهم أعضاء في الحزب، أو باسم متاجر/ شركات لبنانية محلية ليس معروفاً وجود صلة بينها وبين الحزب أو حتى بيئته. وأنا أعرف تمام المعرفة أنه اشترى ذات مرة (قبل أكثر من عشر سنوات إذا لم تخني الذاكرة) مناظير عسكرية أميركية للرؤية الليلية باسم أحد الجيوش العربية التي لا تقتني سلاحاً غربياً أصلاً. وكان تاجر السلاح الأوربي مقتنعاً بأن المناظير ذاهبة إلى هذا الجيش فعلاً، ولم يخطر بباله أنها لصالح «الحزب». وحين رأى الأميركيون صور بعضها في أيدي مقاتلي الحزب في العراق أو في لبنان جن جنونهم وفتحوا تحقيقاً بذلك!

السؤال المفتاحي في القضية كلها، والذي لم يطرحه أحد على الإطلاق، بسبب الجهل العام بآلية عمل الحزب أمنياً وتجارياً : من هو المورد / الوسيط الذي كلفه «حزب الله» بالتعاقد على أجهزة «بيجر» لدى الشركة التايوانية!؟ هل هو تاجر سوري فعلاً يعمل مورّداً أيضاً لصالح أجهزة المخابرات السورية (لاسيما المخابرات العامة) في مجال استيراد السيارات وقطع التبديل والمعدات الإلكترونية من الأسواق الآسيوية والأوربية (بسبب العقوبات) ، كما أبلغني شخص دون أن يكون أي منا (هو أو أنا) قادراً على التثبت من صحة المعلومة!؟ وهل هو فعلاً على علاقة بالملحق التجاري في السفارة الهنغارية بدمشق (التي عادت إلى العمل منذ بضع سنوات)؟

أياً تكن هوية هذا الوسيط، سواء أكان شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً، فهو مفتاح القصة كلها في القضية / الجريمة، من ألفها إلى يائها. فهو من أبلغ الشركة المصنّعة ( وهي باعت المعلومة بدورها لإسرائيل) بأن المستلم النهائي للبضاعة هو «حزب الله»، إن لم يكن المورّد/ الوسيط هو نفسه من أبلغ إسرائيل نفسها بذلك مباشرة. بتعبير آخر: الخرق الأمني الإسرائيلي، الحقيقي والحاسم، حصل هنا، في هذه النقطة تحديداً، وليس في المجال السيبراني الذي هو تحصيل حاصل وأهميته ثانوية.

لأنه لولا علم إسرائيل بأن البضاعة ستنتهي إلى يد «حزب الله»، لم يكن يإمكان الاستخبارات الإسرائيلية أن تقوم بأي شيء قامت به، ولم تكن لتفكر بذلك أصلاً، لأن الأمر سيكون بلا معنى وبلا أهمية بالنسبة لها، ولا يعنيها أساساً. فهي لن تعمد إلى تفخيخ أية أجهزة أو اختراقها ، أو استبدال أجهزة سليمة بأجهزة مفخخة خلال إحدى مراحل النقل والتسليم، إذا لم يكن معلوماً لديها مسبقاً، وعلى نحو قطعي، أن المستلم النهائي للبضاعة هو «حزب الله» ( أو "حماس" أو "الجهاد" أو أي جهة أخرى ...إذا كانت تريد تنفيذ عملية إجرامية من هذا النوع ضدها).

باختصار: بطل فيلم الرعب أو فيلم الخيانة الإجرامية هو الوسيط / المورّد. وإذا كان الإسرائيليون تمكنوا من معرفته وتجنيده، فلواء البطولة سيكون معقوداً لهم، كما يجب أن نعترف. أما لواء الغباء والهبل – في هذه الحال – فسيكون معقوداً على أكبر عمامة في الحزب!!

شركة «غولد أبولو» التايوانية تنفي مسؤوليتها عن إنتاج أجهزة «بيجر» وتزعم أن وكيلتها المجرية هي التي أنتجتها

وأصابع الاتهام تشير إلى امرأة مشبوهة تدعى «كريستيانا بارسوني أرسيداكونو» التي درست في بريطانيا (وقد تكون مجندة لصالح المخابرات البريطانية أو الإسرائيلية)!؟

مدير الشركة التايوانية فشل في تقديم صورة عقد مع الشركة الهنغارية المزعومة، ومبنى مشبوه في بودابست قد يكون المكان الذي فخخت فيه الأجهزة، وصحيفة «ديلي ميل» تنقل عن مصادر هنغارية: «ليس للشركة وجود في هنغاريا»!؟

شركة «الواجهة» الهنغارية تزيل موقعها عن شبكة الإنترنت صباح اليوم، ومديرتها المزعومة تغيب عن السمع!؟

فيما نفت شركة «غولد أبولو» التايوانية مسؤوليتها عن تصنيع أجهزة «بيجر» المتفجرة، وقالت إن مسؤوليتها تنحصر في بيع العلامة التجارية لشركة مجرية وكيلة تدعى « BAC Consulting»، أنكرت المديرة التنفيذية لهذه الأخيرة «كريستيانا بارسوني أرسيداكونو»، أن تكون صنعت الأجهزة. ونقلت وكالات الأنباء والصحف الغربية عن رئيس الشركة التايونية «هسو تشينج كوانج» قوله للصحفيين صباح اليوم «إن شركته أبرمت اتفاقية ترخيص مع شركة BAC Consulting على مدار السنوات الثلاث الماضية، لكنه لم يقدم دليلاً على العقد»! وأضاف القول «إنه تفاوض على اتفاقية الترخيص في أوروبا مع امرأة تايوانية يعتقد أنها ممثلة إقليمية لشركة BAC Consulting (...) مدعيًا أن المرأة أطلقت على نفسها اسم تيريزا!! »

وبحسب تحقيق نشرته صحيفة «ديلي ميل»، فإن الشركة الهنغارية المزعومة «سُجلت كشركة ذات مسؤولية محدودة في أيار/مايو 2022». لكن شخصاً في المبنى الذي زعم أنه مقر الشركة في العاصمة الهنغارية بودابست قال للصحيفة بشرط عدم الكشف عن اسمه«إن الشركة ليس لها وجود فعلي هنا». وكان لافتاً أن الشركة الهنغارية المزعومة أزالت موقعها على شبكة الإنترنت قبيل ظهر اليوم!؟

وعند البحث عن مقر الشركة الهنغارية نكتشف أنه ... بيت سكني عادي (الصورة أدناه)!

ما الذي يعنيه ذلك كله؟ إنه يعني شيئاً واحداً لكل من يعرف تاريخ وأسلوب عمل الموساد: جرى إنتاج الأجهزة في تايوان فعلاً، رغم نفي الشركة التايوانية الكاذب، وجرى نقلها بعد ذلك إلى هنغاريا حيث جرى تفخيخها (أو استبدالها بأخرى مفخخة) من قبل تقنيين إسرائيليين في البيت / الوكر قبل شحنها إلى لبنان. وأما شركة « BAC Consulting » الهنغارية فليست سوى شركة واجهة لعمليات استخبارية إسرائيلية أنشئت لهذا العمل تحديداً (وربما أعمال إجرامية أخرى أيضاً)، على غرار ورقة التواليت : الاستخدام لمرة واحدة ثم إتلافها أو حرقها. وما يعزز هذا الاعتقاد ليس فقط ادعاء مدير الشركة التايوانية أنه لا يعرف اسم المرأة الأوربية التي وقع معها عقداً ( كما لو أن الأمر يتعلق ببيع بندورة وكوسا من بسطة في الشارع لزبون عابر)، وليس فشله في إبراز عقد مع شركة هنغارية وكيلة تستخدم الاسم نفسه ، وحسب، ولكن أيضاً أن موقع الشركة الهنغارية على الإنترنت جرت إزالته عن الشبكة قبيل ظهر اليوم، وأن المدعوة «كريستيانا بارسوني أرسيداكونو»، المديرة التقنية لشركة BAC Consulting الهنغارية الوهمية «اختفت» هي أيضاً في وقت لاحق، ولم يكن بإمكان أي صحيفة التواصل معها بعد أن نفت في تصريح وحيد أن تكون شركتها أنتجت أجهزة «بيجر». ( غني عن البيان أن المرأة التي تبلغ من العمر49 عاماً ، وكما يتضح من اسمها، ليست هنغارية الأصل على الإطلاق إلا إذا كنت أنا هنغارياً. هذا بافتراض أنه اسم حقيقي وليس اسماً مستعاراً. وأرجح أنها إيطالية الأصل، إذا كان هذا هو اسمها الأصلي، لأني لاحظت أنها كتبت في حسابها على موقع "لينكد إن" أن لغتها الأم هي الإيطالية).

أما صحيفة «ديلي ميل» فتؤكد أنها درست في كلية الدراسات الأفريقية والشرق أوسطية بجامعة لندن في مجال لا علاقة له بالتقانة والتكنولوجيا!!

(*) ـ تقرير «ديلي ميل » :

https://www.dailymail.co.uk/.../Pictured-British-educated…

ـ تقرير آخر لصحيفة «إندبندنت» البريطانية يتقاطع مضمونه مع تقرير «ديلي ميل»، مع معلومة أخرى مختلفة تفيد بأن المرأة كانت تحضر للدكتوراه في الفيزياء في جامعة كولورادو الأميركية:

https://www.independent.co.uk/.../hezbollah-pagers…

ـ تقرير تقني عن إغلاق الشركة الهنغارية المزعومة لموقعها على الإنترنت قبيل ظهر اليوم:

https://breakingthenews.net/.../BAC-Consulting.../62741570

ـ صفحة المرأة على موقع "لينكد إن" المهني. ويبدو من تصفح حسابها أن سجلها المهني (سيرتها المهنية) عبارة عن "خبيصة" من الأعمال والدراسات التي لا يجمعها جامع ولا علاقة لها ببعضها البعض ( يعني "مسبعة الكارات" كما نقول في لهجتنا المحلية):

https://www.linkedin.com/.../cristiana-b%C3%A0rsony.../


…

الصور: المديرة التنفيذية للشركة الهنغارية المزعومة التي "اختفت"، و مقر شركتها الوهمية المعتقد أنه بيت موسادي استخدم لتفخيخ الأجهزة فقط، فلا يمكن أن يكون مقراً لشركة تصنع أجهزة إلكترونية( التُقطت صورة المنزل صباح اليوم من قبل مصور وكالة الصحافة الفرنسية)!

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات