الأدميرال «إيغور كاساتونوف»: هذا ما أبلغه «شويغو» إلى المسؤولين الإيرانيين ، وهذا ما أجابوه به

مطلع العام 1983، ولأني كنت عضواً في الفريق التقني الذي شارك في استلام العتاد لصالح القوى الجوية والدفاع الجوي، أتيحت لي الفرصة للتعرف على الأدميرال «إيغور كاساتونوف Игорь Касатонов . »

كان ذلك خلال احتفال خاص في «نادي ضباط شاليهات طرطوس» بعد أن انتهينا تحت جنح الظلام من عملية استلام محطات الإنذار المبكر (الاستطلاع الجوي) وبطاريات صواريخ الدفاع الجوي «إس 200» . يومها، ورغم أنه كان قائد أسطول «كولسكايا/كولا Кольская»، المعروف باسم أسطول بحر الشمال، أسنِدت له ولبعض وحدات أسطوله، إلى جانب بعض القطع البحرية من أسطول البحر الأسود،مهمة المواكبة والحراسة الأمنية لسفن الشحن التي نقلت المعدات إلى ميناء طرطوس. وكان هذا أول قرار يتخذه «يوري أندروبوف» في ميدان السياسة الخارجية فور تسلمه الأمانة العامة للحزب بعد وفاة «بريجينيف» الذي كان يعارض بقوة تسليم هذه المعدات إلى سوريا منذ أن طلبها «حافظ الأسد» خلال زيارته السرية إلى موسكو يوم 11 حزيران / يونيو 1982 على أثر التدمير الذي تعرضت له قواتنا الجوية وبطاريات دفاعنا الجوي في لبنان، و وصول قوات الغزو الإسرائيلية إلى طريق بيروت - دمشق وتطويق دمشق من جهة الغرب.

لم تكن المناسبة وحدها سبب تعارفنا ، بل أيضاً اكتشافه أنني - إضافة لإلمامي المعقول بالروسية - درست في الأكاديمية الجوية في ألمانيا الشرقية وأعرف اللغة الألمانية التي هي لغته الثانية كمعظم الروس في مختلف العهود، مدنيين وعسكريين، فضلاً عن ميولي الشيوعية السرية (فقد كنت لا أزال في الجيش الذي يعتبر الأمر جريمة كبرى، ولو أني سأسرّح لهذا السبب بعد ثلاث سنوات -1986!).

أصبح «كاساتونوف» قائد أسطول البحر الأسود خلال الفترة (1991-1992). و بفضله آلت ملكيته إلى روسيا وليس إلى أوكرانيا حين تفكك الاتحاد السوفييتي. وكان لافتاً يومها أنه تلقى آلاف البرقيات من مواطنين روس عاديين تطالبه بالحفاظ على الأسطول، بينما كان «بوريس يلتسين» يطلب منه التخلي عنه لأوكرانيا وإرغام بحارة الأسطول على أداء قسم الولاء لحكومتها! وفي العام 1992 عزله «يلتسين» عقاباً له على عصيان أوامره وعينه في منصب شكلي (نائب قائد القوى البحرية). وفي العام 1999 أحيل على التقاعد وبقي مستشاراً لرئاسة الأركان بضع سنوات.

رغم أن الظروف والأيام باعدت بيننا، إلا أننا استأنفنا تواصلنا لاحقاً بعد أن جئت إلى أوربا. وفي العام 2013 زرته في سيباستوبول على البحر الأسود وأجريت معه مقابلة لصالح مجلة الأسطول على خلفية ما كان يُحكى يومها عن أن أوكرانيا لن تجدد عقد تأجير قاعدة سيباستوبول البحرية لروسيا، وأن هذه الأخيرة ستنقل الأسطول إلى طرطوس .

ويومها أبلغني بأن «الطبيعة الطبوغرافية والجيولوجية للجرف القاري السوري، باستثناء خليج اسكندرونة، ليست صالحة أبداً لإنشاء قاعدة بحرية تستطيع احتضان قطع بحرية ضخمة كقطع أسطول البحر الأسود، لاسيما الحظائر والأنفاق التي تحتاجها الغواصات النووية، وأن الأسطول سيبقى مكانه إلى الأبد». وحين ألحيت عليه لشرح مقصده، فجر قنبلة بوجهي : «سنعيد شبه جزيرة القرم إلى الوطن الأم قريباً، وهكذا سيبقى الأسطول مكانه إلى الأبد»! وبالطبع جعلني أقسم بشرفي أني لن أتحدث عن الأمر أمام أي شخص ، وقد فعلت والتزمت الأمانة. وهذه هي المرة الأولى التي أتحدث فيها عن الأمر. وفعلاً حصل ما قاله لي، ففي العام التالي (2014) أعاد الروس «شبه جزيرة القرم» إلى وطنها الأم روسيا بعد أن كان سلخها عنها الزعيم السوفييتي «خروتشوف» بأمر إداري في العام 1954 وضمها إلى بلده الأصلي أوكرانيا حين كان يعيش لحظة سكر وعربدة شوفينية قومية مع رفيقه رئيس مجلس السوفييت الأعلى، الأوكراني أيضاَ، «كليمنت فوروشيلوف» !

رغم أن «إيغور كاساتونوف» يعيش في التقاعد منذ حوالي ربع قرن وقد بلغ الخامسة والثمانين من عمره ، ولم يعد له أي صفة رسمية، إلا أنه لا يزال نشيطاً وعلى تماس واحتكاك مع النخبة السياسية والعسكرية في موسكو ويعرف ما يدور في أوساطها، لاسيما وأن ابنه ، الأدميرال «فلاديمير كاساتونوف» الحفيد أصبح منذ العام 2019 رئيس أركان القوى البحرية، على خطى أبيه وجده! ولهذا أعود إليه من وقت إلى آخر لمحاولة فهم ما يجري. وبطبيعة الحال ليس كل ما يقوله يمكن إفشاؤه، فالمجالس أمانات.

تواصلت معه بعد الزيارة الطارئة التي قام بها رئيس مجلس الأمن القومي الروسي «سيرغي شويغو» إلى طهران يوم الإثنين الماضي، وحاولت أن أفهم ما إذا كان لديه معلومات بشأن سبب الزيارة الفعلي وما أبلغه للإيرانيين بشأن قرارهم الرد على عملية اغتيال القائد الفلسطيني «اسماعيل هنية». وهنا خلاصة مكثفة لما سمح لي بقوله، رغم أن هناك أشياء كتبها باللون الأحمر وطلب مني «عدم الحديث عنها بأي شكل من الأشكال نقلاً عن لسانه»: مرحبا عزيزي أرجو أن تكون بخير. «

»بخلاف كل ما تسمعه وتقرأه هنا وهناك، السيد «شويغو» ذهب إلى طهران من أجل إبلاغ القيادة الإيرانية ما يلي :

ـ نتنياهو يتصرف كثور هائج ولا يستطيع أحد الوقوف في وجهه؛

ـ هو يريد حرباً مفتوحة بلا حدود، لأنه يعتبر نفسه خليفة الملك دافيد[ النبي داود]، وهو يتحرش بإيران عمداً وعن سابق تخطيط من أجل أن يجرها إلى الحرب (يبحث عن ذريعة لتوريط الولايات المتحدة في الحرب بقوة الأمر الواقع من أجل تدمير البرنامج النووي الإيراني). وخلال أحد اتصالاته غير المعلنة مع الرئيس بوتين [بعد اندلاع حرب غزة] قال له حرفياً وكان غاضباً جداً «ما تعرضنا له مؤخراً [ هجوم حماس] دمر إسرائيل التي أنشأها بن غوريون، وأنا أريد إعادة بنائها. هذا لا يمكن أن يحصل إلا من خلال تدمير إيران ومحورها. والآن لدينا فرصة غير مسبوقة، وهي وقوف العالم الإسلامي والعربي السني الرسمي معنا، الذي يعتبر الخطر الشيعي هو عدوه وليس إسرائيل. إذا لم أغتنم هذه الفرصة سيلعنني التاريخ ويبصق يهود العالم بوجهي وأنا حي وسيبولون على قبري بعد أن أموت؛

ـ بخلاف الأحاديث عن فشل زيارته إلى الولايات المتحدة، حصل نتنياهو خلال الزيارة على تفويض كامل من الدولة الأميركية العميقة ، ومعظم مؤسسات الدولة الرسمية (باستثناء البيت الأبيض) ، لتوجيه ضربة ساحقة لإيران وحلفائها. لكن، ومع أن «بايدن» حذره من الذهاب إلى حرب شاملة، قال له بضوح «إذا وقعت الحرب، ستقف الولايات المتحدة مع إسرائيل بكل قوتها». وهذا ما فهمه «نتنياهو» على أنه ضوء برتقالي [موافقة غير مباشرة] للذهاب إلى الحرب؛

ـ تلقى «نتنياهو» وعوداً وضمانات من عدد من الدول العربية (لاسيما السعودية والإمارات العربية ومصر والأردن)، بأنها ستقف مع إسرائيل من خلف الكواليس إذا ما قررت توجيه ضربة قاصمة لإيران وحلفائها؛

ـ «نتنياهو» المجنون لن يتردد في استخدام السلاح النووي ضد إيران، وربما السلاح النووي التكتيكي في لبنان نفسه، إذا تعرضت إسرائيل لعمليات انتقام من إيران وحلفائها لا يمكنه هضمها. ولدى روسيا معلومات مؤكدة أن «نتنياهو» ناقش الأمر فعلاً مع رئيس لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية الميجر جنرال احتياط «موشيه إدري Моше Эдри » وطلب منه ومن ضباط في الأركان «وضع خيارات عملية ممكنة تقنياً ولوجستياً وعملياتياً في حال تطلب الأمر اللجوء إلى الخيار النووي مع إيران وحلفائها»؛

ـ روسيا لا تستطيع الآن – بسبب الحرب مع أوكرانيا - الذهاب مع إيران إلى آخر الشوط؛

ـ الصين أيضاً ليست مع أي توسيع للحرب، خصوصاً الآن وهي مشغولة باحتواء الأنشطة الأميركية العسكرية على تخومها ، وهذا ما أبلغته إلى إيران حتى قبل أن يبلغها «شويغو» بذلك؛

ـ تتفهم الفيدرالية الروسية أن إيران تعرضت لجرح عميق في كرامتها وسيادتها الوطنية، ومن حقها الدفاع عن نفسها، لكن عليها أن تأخذ بعين الاعتبار مجمل الظروف والعوامل المذكورة؛

ـ الفيدرالية الروسية أبلغت الحكومة السورية بهذه المعلومات وبتقدير الموقف، وقد أكد لها الرئيس «بشار الأسد» أنه غير معني بأي توسيع للحرب، ولن يشارك في أي جهد حربي تحت أي ظرف، و سيحترم الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل في العام 1974، وأن أقصى ما يمكن أن يقوم به هو السماح للمدنيين اللبنانيين باللجوء إلى سوريا في حال حصلت حرب واسعة كما في العام 2006. وقد طلب من الرئيس «بوتين» إبلاغ الإسرائيليين بذلك وطمأنتهم إلى وضع الجبهة السورية في أي حرب واسعة محتملة؛

ـ الإيرانيون أكدوا لـ «شويغو» أنهم لا يمكنهم السكوت على ما تعرضوا له، لكنهم يتفهمون موقف الفيدرالية الروسية وسيأخذون بعين الاعتبار ما عرضه عليهم، ولن يتجاوزوا ما يسمح به القانون الدولي في أي عمل انتقامي يقومون به. ولاحقاً (يوم أمس) أبلغوا موسكو بأنهم لن يبادروا إلى أي عمل عسكري قبل 15 آب لكي لا يجري اتهامهم بأنهم نسفوا جولة المفاوضات بين حماس وإسرائيل المنتظر أن تبدأ في 15 من الشهر الجاري. ولكني أعتقد (وهذا استنتاج من عندي وشعور خاص) أن الإيرانيين قد يلجؤون إلى تنفيذ ضربتهم قبل 15 آب، وعمدوا إلى إبلاغ الكريملن خلاف ذلك من باب الخداع، لعلمهم أن عيون وآذان إسرائيل في الكريملن لا حصر لها ومفتوحة على آخرها، وأن هذه العيون والآذان ستنقل إلى «نتنياهو» ما رأته وما سمعته، ولهذا أبلغوا موسكو بذلك لكي يمنحوا «نتنياهو» بعض الاسترخاء الخادع! أكرر: هذا مجرد إحساس خاص وليس معلومات.

آمل بأن هذه المعطيات تقدم فكرة واضحة عن الموقف العام بالغ الحساسية والخطورة، مع التذكير والتأكيد على أن ما هو مكتوب أعلاه باللون الأحمر ليس للنشر عن لساني، وأنا أعرف شهامتك ومدى حرصك على صون الأمانة». (انتهت الرسالة).

Poster commentaire - أضف تعليقا

أي تعليق مسيء خارجا عن حدود الأخلاق ولا علاقة له بالمقال سيتم حذفه
Tout commentaire injurieux et sans rapport avec l'article sera supprimé.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات