ما مدى دستورية مشروع القانون التوجيهي الجديد للتربية والتعليم؟

Photo

تعكف مختلف اللجان الفنية المنصّبة بطريقة فوقية في مسار الإصلاح التربوي ولجنة التشريعات من بينها على وجه الخصوص على وضع "اللمسات الأخيرة" على القانون التوجيهي الجديد للتربية والتعليم، بعيدا عن أنظار الرأي العام وعن أي مواكبة جادة ومحايدة من الإعلام. وبهذه المناسبة، أودّ تذكير عموم الفاعلين التربويين في مختلف مواقعهم بأمر على درجة قصوى من الأهمية:

من الناحية القانونية، يجب أن يخضع القانون التوجيهي الجديد للتربية والتعليم لمبادئ الدستور التونسي. وهذا يستوجب في ما يستوجب، الاستحضار الفعلي للفصل 39 منه. وهو الذي ينص على أن:


- العربية هي اللغة الوطنية الأولى وأنه يجب ترسيخها ودعم استخدامها.

- الهوية التونسية هي هوية عربية إسلامية وأنه يجب تأصيل الناشئة فيها.

- الانفتاح على بقية اللغات الأجنبية (أي كلغات تثقيف لا تعليم أساسي، بما أن الأمر يتعلق بـ انفتاح.)

- نشر ثقافة حقوق الإنسان.

القانون التوجيهي يجب ألا يكتفي بمجرد الذكر العام والغائم لهذه النقاط الأربعة، بل يجب أن يصوغها بشكل إجرائي في أبواب الغايات والسياسات اللسانية (استخدام اللغة الوطنية لغة أولى وأساسية في تعلم المعارف والعلوم بكل أنواعها وفي مختلف المستويات) وفي باب ملامح المتخرج وقيم المدرسة التونسية، عبر تنزيل دقيق في المناهج التربوية المختلفة (العلوم، اللغات، المواد الاجتماعية، الفنون، الأنشطة الرياضية والثقافية). كل الكتب المدرسية يجب أن تتشرب هذه الروح الوطنية العربية الإسلامية والحداثية والحقوقية.

يجب مراقبة هذا الأمر عن كثب من قبل المجتمع المدني والأحزاب ومجلس النواب وقبل ذلك من قبل وزارة التربية نفسها. كما يجب متابعته من قبل الإعلام والمنابر الفكرية والثقافية ومن قبل الجامعة. ومن قبل مختلف الوزارات ذات العلاقة بالتربية والتكوين والبحث العلمي.

كما يجب مراقبته من قبل هيئة مراقبة دستورية القوانين. ويجب أن يجري نقاش وحوار وطني مستفيض حول هذا مشروع القانون التوجيهي وأن يفتح المجال للجميع بدون استثثناء للمساهمة فيه، من دون اللجوء إلى أساليب ديماغوجية من قبل ممثلي لجنة الإصلاح التربوي، ومن دون اعتماد بروباغندا تمويهية استحمارية للشعب وللفاعلين التربويين. وإذا لم تحترم كل هذه الشروط ولم تحترم إرادة عموم الفاعلين التربويين ولم يؤخذ بأراء خبراء التربية المشهود لهم بالمستوى العلمي والخبرة الفنية العالية، فإن هذا الإصلاح التربوي سيفشل وسيكون مجرد مناسبة أخرى لهدر طاقات وأموال وزمن المجموعة الوطنية.

عمليا، تقتضي الديمقراطية التشاركية والحوكمة الرشيدة والحق في النفاذ للمعلومة والشفافية المنصوص عليها دستوريا أن يتم إطلاع الرأي العام والأسر التونسية وعامة الفاعلين التربويين على مختلف المراحل والحيثيات المرافقة لإعداد القانون التوجيهي الجديد للتربية والتعليم وتنظيم سلسلة من البرامج التلفزية والإذاعية لتقديم مختلف التصورات المقترحة لكل باب من أبوابه ولكل فصل من فصوله ومناقشتها مع المجتمع المدني وأولياء التلاميذ والمربين وخبراء التربية، قبل صياغته ما قبل النهائية ثم إعادة فتح الحوار حوله قبل تمريره لرئاسة الحكومة فمجلس النواب. إذا لم يتم الأمر بهذا الشكل وبطريقة غير شكلية فاعلموا أنه سيكون المعبر فقط عن وجهة نظر آحادية إقصائية وصائية على الشعب!!

وفي الأخير، ننبّه إلى أنه لا مجال للتفاوض حول المبادئ الدستورية التي يجب أن يخضع لها هذا القانون، مثلما يجري الأمر الآن من قبل بعض العلمانين المتطرفين الخادمين لأجندات أجنبية مشبوهة، من المشاركين في لجنة الإصلاح التربوي وفي لجانه الفنية، رغم بعدهم كل البعد عن الاختصاص التربوي. كما أنه لا مجال لأن يصاغ هذا القانون وفق أسلوب الترضيات الإيديولوجية، كما لو أن الأمر لم يحسم في الدستور وفي الوثائق التقريرية والتأليفية لمختلف محطات "الحوار الوطني لإصلاح المنظومة التربوية" وفي الكتاب الأبيض لوزارة التربية، وفي الكتاب الأبيض للائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية، الذي اعتبره كتاب الوزارة، وإحدى مراسلات وزير التربية للائتلاف، من بين الأدبيات الوطنية الجادة التي تمت العودة إليها، بطريقة أو بأخرى.

إننا إذ نبدي هذه الملاحظات، لا زلنا متمسكين في الائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية، بأن الجهة التي يعود إليها رسم السياسات الوطنية للإصلاح التربوي، ليست لجنة الإصلاح الحالية المسقطة فوقيا على المجموعة الوطنية، وإنما مجلس أعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يكون مستقلا وذا صبغة تقريرية، بما أنه سيكون مرؤوسا من قبل رئيس الحكومة وبمشاركة ممثلي مختلف الوزارات المعنية بالتربية والتكوين والبحث العلمي (اثنا عشرة وزارة)، مع إسهام فعلي وغير صوري للمربين والطلبة والتلاميذ والجمعيات التربوية وغيرها من الفعاليات المدنية والوطنية مثل ممثلي نقابات التعليم والجامعات ومراكز البحث العلمي…الخ.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات