ويريد أن يطبق سياسة تجفيف الوعي الوطني والقومي والكوني…
وزير التربية يفتي في النقل التعليمي transposition didactique في مادة التاريخ بدون علم. ما ذكره عن عزم الوزارة تدريس التاريخ بحسب المنطقة الجغرافية التاي ينتمي إليها التلاميذ لا يصلح نقلا تعليميا من المعرفة العالمة والمختصة إلى المعرفة المدرسية إلا في مرحلة عمرية معينة وفي مرحلة معينة من بعض دروس التاريخ.
كيف ذلك؟ تخضع عملية النقل التعليمي لعدة شروط من بينها مراعاة المرحلة النشوئية للمتعلمين. في المرحلة الحدسية الحسية وفي المرحلة الإجرائية ما قبل المجردة، لا يدرك التلاميذ المعاني التاريخية المجردة، مثل الحديث عن الأـسباب البعيدة والقريبة لحرب ما أو لثورة ما.
كما أنه يصعب عليهم فهم معنى التأريخ بما قبل الميلاد. ولذا يحسن الانطلاق بهم من التاريخ الحاضر، مثل تاريخ العائلة وتاريخ المدرسة وتاريخ القرية والمدينة الحديثة..الخ وبعدها يتم العودة بهم القهقرى إلى التاريخ الماضي لأنه بمثابة الأمر المجرد بالنسبة لهم.
إذا ما قاله وزير التربية ناجي جلول قد يكون مفيدا في مستوى معين من مراحل نمو المتعلم. كما أنه من المفيد إذا كان الدرس المقرّر على مستوى وطني له علاقة بالمنطقة التي يسكنها المتعلمون أن يصطحبهم المعلم أو الأستاذ لزيارتها والقيام ببحوث ميدانية حولها.
هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، إن الاقتصار على ما قاله جلول قد يضعف الروح الوطنية الجامعة ويقوي النزعة الجهوية والمحلية والقبلية. كما أنه يقضي على الوعي القومي والوعي الإسلامي والوعي الإنساني الكوني. إنه يريد أن يطبق سياسة تجفيف منابع الوعي الوطني والقومي والكوني. فمتى يكف هذا الوزير عن التكلم في غير ما يفقه. هو أستاذ تاريخ ولكن يبدو أنه غير عالم بتعلمية التاريخ، فهما ليسا شيئا واحدا.