في سذاجة تشيع المتسنن طلبا للقوة والغلبة أو في سرّ قوة العالم الشيعي وضعف العالم السني

Photo

يظن بعضهم أن وقوع العالم السني في وحل الهزيمة والاضطراب والفوضى ناتج عن سنّيته، وأن قوّة إيران وحزب الله ونجاعة تدخلاتهما العسكرية والسياسية ناتجان عن تشيعهما. هذا الربط بين حال أهل المذهبين الإسلاميين ومذهبيهما ليس له من وجاهة إلا أمر واحد، وهو وجود القيادة المطاعة من عدمها.

في العالم الإسلامي كافة ليس هنالك ديمقراطية، بما في ذلك في إيران (لنتذكر بهذلة كل من نجاد وخاتمي وهما رئيسا دولة، ليس من باب الإفراط في الديمقراطية، بل من باب التهوين من مكانة رئيس الدولة في إيران أمام مكانة مرشدها وإمامها الأكبر ولاية الفقيه). السلطوية هي السائدة هنا وهناك، ولكن الفرق بين العالمين، هو أن السلطة الفوقية للقائد في إيران سلطة مادية متجذّرة في سلطة روحية طوعية متوارثة ثقافيا، بينما السلطة الفوقية في العالم السني سلطة مكروهة ورضا الناس بها هو من باب الانقياد للشوكة والسلطان والنفاق معه وحماية النفس من سطوة الحاكم وأذاه وظلمه، عدا السطوة والأذى والظلم المسلطة كلها على الجميع.

إن سر "التقدم" هناك والتخلف هنا، و"النظام" هناك، والفوضى هنا والقوة هناك والضعف هنا، يكمن في الانضباط المتوارث ثقافيا هناك والغائب هنا. الانضباط الذي أوصى به كانط الأمة الألمانية (تأملات في التربية) هو ما صنع قوة تلك الأمة إلى جانب المعرفة.

تفسير الاختلاف إذن تفسير ثقافي-تاريخي (تاريخ القهر والتقية والالتفاف من حول الإمام، الذي تحول إلى تاريخ معاصر للانتصار والدهاء السياسي والعقل المفاوض الناجح والانضباط) وليس تفسيرا دينيا.

وهذا الناتج التاريخي-الثقافي الظافر في العالم الشيعي (إيران وحزب الله) لا يهم إلا الشيعة المتشيعة ثقافيا ولا يهم السنة المتشيعة مذهبيا وسياسيا في شيء. أي إنه من السذاجة وخطإ الحساب والتقدير الاعتقاد بأن التحول إلى المذهب الشيعي يمنح صاحبه قوة وتمكينا آليا.

المطلوب من السنة للانتصار والتنظم والتقدم ليس التحول إلى الشيعة، بل المطلوب منهم ثورة ثقافية، تستمدّ من الثقافة السنية نفسها ومن المعرفة المعاصرة والتربية المعاصرة.

لدينا في تراثنا السني نماذج عديدة للانتصار وللتقدم والازدهار في بغداد وفي مصر وفي الأندلس ويمكننا اليوم استئناف فكر عصر النهضة الذي قطع بفعل الاستعمار الاستخرابي، واستئناف فعل التجديد، ولكن تبقى مسألة القيادة مسألة تنتظر التشكل بفعل الممارسة للنضال الثقافي والمواطني والسياسي الملتحم بقضايا الجماهير في عصر ما بعد الانقلابات العسكرية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات