لماذا يبدو أبو يعرب المرزوقي الخلدوني والعقلاني جدا "متطرفا سنيا"؟ أو كيف جمع أبو يعرب بين ابن خلدون العقلاني نظريا وابن تيمية السلفي عمليا؟

Photo

أثار فيّ مقال الكاتب لسعد جمعة عن أبي يعرب المرزوقي في جريدة الزراع الالكترونية (محمدّ الحبيب المرزوقي: الارتقاء إلى الهاوية: من أنوار الفلسفة الإسلاميّة إلى غياهب السّلفيّة الوهّابيّة) الرغبة في الكتابة عن أستاذي وصديقي أبي يعرب المرزوقي من هذا المدخل بالذات.

سؤال يحيّر الكثيرين: لماذا يفكّر الفيلسوف العربي الألمعي الجهبذ أبو يعرب المرزوقي (محمد الحبيب المرزوقي) ويكتب في السياسة كما لو أنه أحد منظري السلفية والمحور السني الإخواني، والحال أنه فيلسوف عقلاني وحداثي حتى النخاع فكريا وتقدمي وليبيرالي حتى أخمص القدمين عمليا؟

لقد قرأت "كثيرا" لأبي يعرب وأدرك جيدا الموهبة العقلية الفذة لدى هذا الرجل وطاقته العقلية الاستثنائية، وأعلم علم اليقين أنه ذكيّ إلى حدّ يوهم المتذاكين وأنصاف العارفين بالسذاجة. وهو من الذين يسبقون من هم معه بأشواط فلا يقدرون على مجاراة خطوه، فيتهمونه باتخاذ خطوة الدراويش وهو في حقيقة الأمر من أهل الخطوة، عقليا، لا عرفانيا وصوفيا.

عندما ينحاز أبو يعرب انحيازا "أعمى" للمحور السني المحافظ بدون تمييز بين إسلام سياسي معتدل وإخوان أورتودكسيون وسلفيون وهابيون وحتى جهاديون، مقابل المحور الذي تقوده إيران الدولة (لا إيران الثورة، فالأولى لا تزيد بنويا عن أن تكون وريثة للامبراطورية الفارسية الصفوية، والثانية هي المجسمة لشعارات ومبادئ الثورة الإيرانية ضد الشيطان الأكبر وضد الاستعمار والاستحمار والصهيونية، وهي الداعمة لحماس في فلسطين المحتلة، بموافقة من إيران الدولة، لتشابك الإيرانين)، فهو من الناحية الفكرية ينحاز ضدّ الفكر الغنوصي الباطني المؤله للإمام (روح الله الإمام فلان...) وضد الفكر المعرقل لبناء مفهوم الإنسان والفرد والديمقراطية والحداثة في العالم الإسلامي.

المشكلة المربكة للعقل المكتفي بالفرجة هو الأمر الآتي: حيثما ثمة عقيدة باطنية محرفة لنقاوة عقيدة التوحيد (عصمة الإمام، وتحريف لمفهوم ختم النبوة، التي لا تختم لدى الأئمة الشيعة بل تتواصل من خلالهم) تجد شكلا للدولة يتخذ شكلا من أشكال الديمقراطية الحديثة (الانتخابات، بعد تزكية مؤسسة ولاية الفقه ومصلحة تشخيص أمن ومصلحة النظام)، وهذا هو حال العالم الشيعي، وحيثما توجد عقيدة ظاهرية أو قائلة بلا عصمة القادة والأئمة ومتبنية لمبدإ الشورى، فإننا نجد تكريسا للدكتاتورية وسلطة الزعيم الواحد والحزب الواحد، وهو حال العالم السني.

ففي العالمين لا يوافق القول العمل. في العقل السياسي الشيعي انفصام واع. نظرية ومذهب في اللاإنسان واللاديمقراطية وممارسة ديمقراطية للحكم (مراقبة ما قبليا وما بعديا). أما العقل السياسي السني فهو لا يقدس الحاكم والإمام نظريا ولكنه ينصاع لحكم الرئيس والملك والسلطان انصياعا كاملا عمليا.

هنالك عقيدة يكون فيها الإنسان الفرد خليفة لله في الأرض(الأشعرية الخلدونية مثلا) يجب صونها من لوثة العقيدة المؤلهة لبعض البشر والمميزة بين مراتب الناس الوجودية. يبقى بعد ذلك تصحيح الممارسة غير المطابقة للمذهب والاعتقاد، وهذا أيسر كثيرا من تغيير نواة الاعتقاد الصلبة المانعة من ظهور مفهوم الإنسان والفرد في سياق الحضارة الإسلامية.

ولذا لا يرى العقل السياسي الذرائعي لأبي يعرب المرزوقي مانعا من حشد كل أنواع القوى البشرية السنية (بوه على خوه، يسميهم في بعض مقالاته "الشباب") لوقف الزحف الامبراطوري الفارسي الصفوي والشيعي الباطني. يجب حسم المعركة الجيوسياسية والعسكرية على الميدان وبعدها يأتي دور الفكر والثقافة والفلسفة والعلوم والإدارة وكل أسباب القيام الحضاري.

هذا هو الخيط الخفي في الفكر السياسي شبه اليومي للمفكر والفيلسوف أبي يعرب المرزوقي. فهو من أجل إنقاذ المشروع الحضاري الخلدوني (تمشي الحداثة في السياق العربي الإسلامي القائم على مفهوم الاستخلاف في الأرض) يستخدم روح الجهاد التي استبطنها ابن تيمية في مقاومته لغزو التتار (قبائل مغولية) للعالم الإسلامي.

هل هذا تقدير صائب للأمور؟ هل أن مخاوف وهواجس أبي يعرب في محلها؟ هل أن حساباته صحيحة؟ ذلك ما لن أجيب عليه في هذه المقالة، وحسبي أني قد وضحت بعض الشيء ضرب المعقولية السياسية الكلامية العروبية المخصوصة لدى أبي يعرب.

أضيف نقطة أخيرة قبل الانتهاء من هذه المقالة، وهي أن النموذج الذي يفكر به أبو يعرب نموذج هندسي، وأحكام العقل الهندسي أحكام حادة وقاطعة. ولذلك تبدو أحيانا متطرفة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات