لا يعاقب القانون التونسي على الإفطار في رمضان ولكن يعاقب على التجاهر به. والتجاهر هو غير الجهر. فيمكن لمريض في مصحة أن يجهر بتناول الدواء نهارا في رمضان، كما يمكن لمسافر أن يجهر بشرب الماء أو تناول الطعام عند الاستراحة في الطريق. ولكن التجاهر شيء آخر. ما هو الأمر السيء في التجاهر؟
أي مثلا احتساء القهوة والتدخين نهارا في وجه المارة وتحت نظرهم أو الانهماك في ازدراد كسكروت شاورمة أو تقطيع ومضغ ربع دجاج ...الخ. لا يتعلق الأمر بمجرد استفزاز غرائز الصائمين وإثارة شهوتهم للشرب والأكل والتدخين..فهذا أمر بسيط جدا للصائم المحتسب.
يتعلق الأمر بمسألة طقوسية بالمعنيين الديني والثقافي الأنطروبولوجي. فدينيا يجب الحرص )في دولة تقول إن دينها الإسلام، وما يستوجبه ذلك من واجب الرعاية لشؤون هذا الدين) على إيجاد مناخ روحي جماعي يصهر الغالبية العظمى من المواطنين المسلمين في طقسهم الجماعي بدون حصول نشاز. والتجاهر بالإفطار من شأنه أن يوفر قدوة مضادة للناشئة وللشباب ولعموم المؤمنين الذين هم في حاجة إلى تعميق شعور الانتماء لهذا الدين في وجدانهم بالممارسة والقدوة الحسنة لا بمجرد الدروس النظرية.
وحتى إن عصوا الأمر الإلهي بالصوم في رمضان، فإن ذلك يكون أهون عندما يتم بعيدا عن أعين الناس، فقد يأتي يوم، وهذا ما يحصل في الغالب، أن يتوب المفطر في رمضان عن معصيته، فيجد نفسه في انسجام تام مع روحانية الجماعة المؤمنة ويندمج فيها بكل سهولة. أما ثقافيا، فإن الانتماء للجماعة يستوجب في ما يستوجب الخضوع للقاعدة العامة، أو على الأقل عدم الجهر بمخالفتها، وذلك لتثبيت الانتماء لهذه الجماعة ثقافيا. ومن يخالف ذلك، سينظر إليه على أساس أنه غير محترم لثقافة الجماعة وقاعدتها الأخلاقية.
وفي الأخير، أرى أن الحملة لتأييد فتح المقاهي والمطاعم نهارا في رمضان، قضية مغلوطة وزوبعة في فنجان، ولا قيمة لها مقارنة بالقضايا الاجتماعية والتنموية والتربوية والأخلاقية الحارقة التي تواجه المجتمع. هي فقط للإمعان في تطبيع التونسيين مع "النمط" النمط اللاعربي واللإسلامي واللاتونسي أصيل. ومن يرد أن يفطر في رمضان، فهو كمن يمتنع عن الصلاة وعن الزكاة والحج، لا أحد سيسأله عن ذلك إلا خالقه، أما احترام الطقس الجماعي والروحانية الجماعية فهذا من حسن الأخلاق ومن سلامة ورهافة الإحساس ومن الثقافة والتمدن وليس العكس، وما العكس إلا تجوبير وتقوعير.