تونس في 15 جانفي 2015
يروّج بعض المنتمين لهيئة الإصلاح التربوي من خلال بعض وسائل الإعلام، من باب ردة الفعل على فضح توجههم اليساري الاستئصالي والإقصائي المؤثر سلبا على كيفية إدارتهم لملف الإصلاح التربوي شكلا ومضمونا، أن الائتلاف المدني يُحسب على تيار ايديولوجي معين (تيار محافظ) وأنه على هذه الخلفية يدافع بطريقته عن مسألة القيم، ويدعون في مقابل ذلك إلى الالتفات إلى ما هو أهم: المسائل الفنية في الإصلاح التربوي: البنية التحتية- التجهيزات- الزمن المدرسي- التقييم…الخ.
وردنا على هذا الافتراء هو التالي:
- أولا: نذكّر الرأي العام أن المناوئين للائتلاف قد نسبوه في الفترة الماضية إلى حراك شعب المواطنين، ثم عدلوا عن ذلك، وتلقى الائتلاف لاحقا، في مطلع شهر نوفمبر الماضي، رسالة شكر من السيد وزير التربية على مجهودات الائتلاف الإصلاحية التربوية الوطنية وتنويه بكتابه الأبيض لإعادة بناء المنظومة التربوية الذي اعتبر كتابا مرجعيا ومن المصادر المهمة التي يعاد إليها للتفكير في الشأن التربوي الوطني.
ثانيا: الائتلاف يضم أكثر من مائتين وخمسين جمعية وعشرات من الخبراء التربويين من مختلف المشارب الفكرية والسياسية (الديمقراطية الليبيرالية والديمقراطية الاجتماعية والعروبية والإسلامية والماركسية العربية…ومن المستقلين….الخ). ومن يطلع على قائمة المشاركين في تحرير الكتاب الأبيض للائتلاف أو على قائمة الجمعيات والشبكات المنخرطة فيه، يدرك هذا الأمر بكل يسر. والائتلاف لا يتدخل في القناعات الشخصية لأعضائه وأنصاره، وإنما يفرض عليهم جميعا، ويتقبلون طوعا، الالتزام بالحياد الحزبي والايديولوجي في نشاطهم داخل الائتلاف.
ثالثا: إن الروح العربية الإسلامية الأصيلة التي تظهر في خطاب الائتلاف المرجعي القيمي، في تفاعل مع المرجعية الحقوقية والإنسانية الكونية والمرجعية الثورية الوطنية، هي نفس الروح التي يتحلى بها الدستور التونسي، الذي نوه بحقوق الإنسان الكونية ودعا في الآن نفسه إلى إعادة الاعتبار للعربية وإلى تجذير الناشئة في هويتهم العربية الإسلامية (الفصل 39). وبالتالي من الغلط الجسيم نسبة القيم الأصيلة الرصينة والمعتدلة إلى فصيل حزبي أو إيديولي معين، من دون عموم التونسيين الذين يتشرفون ويفتخرون بانتمائهم إلى تونس العربية المسلمة المتفتحة على كل ما هو إنساني حقا وكوني حقا في الفكر البشري الحديث. وقد أعلن الائتلاف المدني صراحة في كتابه الأبيض لإعادة بناء المنظومة التربوية تبنيه للتوجه الحداثي الأصيل المطابق لروح الدستور التونسي والناهل من الإرث الإصلاحي الوطني. كما أعلن الائتلاف في أدبياته تبنيه لخيار التنوير الديني في موجهة التطرف والإرهاب عوضا عن سياسة تجفيف منابع التدين التي تبناها إصلاحا 1991 و2002، والتي ما زادت خطر التطرف والإرهاب إلا تفاقما.
رابعا: إن هذه الادعاءات الباطلة على الائتلاف من قبل من يكرسون بالفعل فرزا إيديولوجيا في تعاطيهم مع ملف الإصلاح التربوي من موقع القيادة من دون ريادة، لن ترهب مناضلي الائتلاف وخبرائه ولن تثنيهم عن الوقوف في وجه كل توجه يريد أن يحيد بالإصلاح التربوي عن فلسفة الدستور التونسي المتضمنة للروح الوطنية الأصيلة.
خامسا: يدعو الائتلاف هؤلاء المدعين باطلا عليه إلى التزام الموضوعية والروح العلمية (منهجية هندسة الإصلاحات التربوية) في معالجتهم لملف الإصلاح التربوي عوضا عن الإصرار على الإسقاطات الإيديولوجية المنافية لروح الدستور، حيث أنه لما يغيب العلم يحل الرأي والظن والانحياز الذاتي والإيديولوجي.
سادسا: الإصلاح التربوي ليس إصلاحا تقنيا في المقام الأول، بل إصلاح قيمي، والقيم هي أساس كل عمل صالح ومجد. فالقيم من جنس الغايات، أما التقنيات فهي من جنس الوسائل. والذي هو أولى بالضبط أولا هو الغايات، ثم المنهج، ثم الوسائل الفنية المحققة لتلك الغايات وفق المنهج المرسوم. ولذا، فالتصريح بأن التقنيات هي الأولى بالاهتمام في الإصلاح التربوي، دليل إضافي على أحد أمرين: فإما التخبط المنهجي والجهل بقواعد الإصلاح وهندسته وإما إرادة صرف عموم المواطنين والفاعلين التربويين عن المشاركة في وضع غايات وقيم المدرسة الوطنية المنشودة، لأن هنالك من يريد فرضها عليهم مكانهم، ليلهيهم بعد ذلك في الخوض في مجرد الوسائل المحققة لتلك الغايات المغتصبة من إرادة الشعب الحرة.
سابعا: عوض كل هذا التناكف الذي يميز ساحة الإصلاح التربوي حاليا، ندعو إلى تطبيق إصلاح تربوي ديمقراطي تشاركي على قاعدة قيم ومبادئ الدستور التونسي ووفق منهجية هندسة الإصلاحات التربوية.
المنسق العام
د. مصدق الجليدي