الأحزاب التونسية والموقف من مخرجات قمة الرياض الجيوبوليتيكية

Photo

انعقدت قمة الرياض الأخيرة التي استضافت الرئيس الأمريكي الجديد ترومب وانفضت دون أن يدرك المواطن العادي حقيقة ما تم فيها، ولم يجلب انتباهه فيها إلا ضخامة الصفقة التي عقدها ترومب مع السعوديين وهول الهدايا الخيالية التي تسلمها منهم هو وعقيلته وبعض المقربين منه. أما الجانب المقابل لما حدث فلم يبدأ في الظهور إلا مع هذا "الزلزال الديبلوماسي" الذي حدث في الساعات القليلة الماضية بإعلان عدد من دول الخليج قطع علاقتها مع الجارة قطر التي عرفت بمناصرتها لما عرف بثورات الربيع العربي، وذلك على خلفية اتهامها بدعم الإرهاب. يأتي هذا الموقف بحسم الإدارة الأمريكية موقفها من الأنظمة الخليجية باتجاه تثبيت الأمر الواقع ودعم الأنظمة القائمة بما يتوافق مع المصالح الأمريكية وإدارة الظهر لتمشيات الثورة والدمقرطة في البلدان العربية، مع نوع من الاستثناء للتجربة التونسية المعتدلة.

فما هو موقف الأحزاب الوطنية التونسية من هذا الذي يجري الآن بشكل يبدو مفاجئا مع أن كل مقدماته جاهزة منذ أمد ليس بالقريب؟

- الموقف الرسمي من مخرجات قمة الرياض الأخيرة معلوم رغم عدم ظهوره في بيان رسمي. ولكن ما يتسرّب من تصريحات رسمية وما نعرفه عن التوجه العام للديبلوماسية التونسية بعد صعود الرئيس الأمريكي الجديد لسدّة الحكم، وما وصل إلينا من تغطية لمشاركة الوفد التونسي في قمة الرياض، ومن خلال فحوى لقاءات الرئيس بالأحزاب التونسية بعد عودته من القمة، وما أقدمت عليه حكومة الشاهد من حملة أمنية على بعض الرؤوس الكبيرة (شفيق جراية على خلفية علاقاته بـ"فجر ليبيا"- ناصر العجيمي (المسؤول عن الأمن السياحي ومقاومة الإرهاب والمتهم بالتعامل مع شفيق جراية، وبعض المهربين الكبار) ، كل هذا يجعلنا متأكدين من تبني تونس الكامل لمخرجات قمة الرياض.

- موقف بعض الأحزاب البرو-أمريكية مثل مشروع تونس هو الآخر معلوم، وقد استبق حتى مخرجات قمة الرياض –من خلال زيارته وفد ممثل له للمشير حفتر بقيادة محسن مرزوق من دون مشورة الرئاسة- وهو ما يدل على العلاقات الوثيقة بين محسن مرزوق وبعض دوائر القرار الأمريكي.

- موقف الجبهة الشعبية المعادية للتحالف التركي-القطري-الإخواني معلوم.

- الآن على حزبين هما حركة النهضة وحراك تونس الإرادة تحديد موقفهما.

- النهضة اختارت إلى حد الآن عدم الإفصاح الواضح عن موقفها ولعلها قد نُصحت بالقبول بالموقف الرسمي (لقاء الباجي الأخير بقياداتها) في مقابل "النهضويون مواطنون توانسة مثل كل التونسيين". أي أن يتخذوا نفس موقف تونس الرسمي، مع ما يمثله هذا الموقف من إحراج لها إزاء حلفاء كبار مثل تركيا وقطر وعلاقات أدبية قوية مع "فجر ليبيا" الذي يمثل إخوان ليبيا أحد أبرز مكوناته. ويبدو أن النهضة قد انتهزت فرصة إصدار بيان لها مُدين للعملية الإرهابية الأخيرة في بريطانيا لتؤكد على "استعدادها للانخراط في إستراتيجية إقليمية ودولية لمقاومة الإرهاب" (بيان النهضة: 23 ماي 2017). والأرجح أن في هذا التأكيد تعبير عن قبول النهضة بالانخراط في مسار مخرجات قمة الرياض الأخيرة. ولكنها تركت الأمر مرسلا والاستراتيجية نكرة لرفع الحرج عنها.

- الحراك مبدئيا-كما أتصور- هو مع الثورة ويثمن أدوار الداعمين لها مثل تركيا وقطر، وهو ضد الدور التآمري على الثورة الذي تلعبه بعض الأنظمة مثل الإمارات، ولكنه لا يدور لا في الفلك التركي ولا في الفلك القطري، وهو ليس مع التوجه السياسي للإخوان وليس عدوا استئصاليا لهم. وأتصور أنه ينظر لبقية الموضوع بما هو شأن داخلي للخليجيين. فهو مثلا لامشكل له مع السعودية التي لها علاقات تاريخية عريقة مع تونس.
عموما، يمكن القول إن الجيبوليتيك الدولي هو بصدد إعادة التشكل. ويجب على القوى الوطنية السائرة في خط الثورة والبناء الديمقراطي قراءة الوضع الجديد وبلورة موقف سياسي منه يجمع بين المبدئية والقيم الإنسانية المشتركة من جهة ومصالح الدولة التونسية والشعب التونسي من جهة ثانية.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات