طرح الرئيس السبسي في خطابه يوم أمس لمعتصمي الكامور معادلة "الحق في الاحتجاج دون تعطيل الإنتاج". هذه المعادلة تبدو بادئ ذي الرأي منطقية. الجزء الأول منها فيه ضمان لحق دستوري بالتظاهر والمطالبة بالحقوق المشروعة، والجزء الثاني فيه تأكيد على المصلحة الاقتصادية الوطنية وعلى ضرورة تجنيب البلاد المزيد من المصاعب الاقتصادية، خاصة بعد تكبّدها لخسارة تساوي تقريبا ضعفيْ ما "تتشحّت" فيه الحكومة من صندوق النقد الدولي (القسط الثاني) أي مبلغ 5000 مليار من المليمات.
ولكن المعضلة هنا هو أن المعتصمين (الطرف الأول) لا يجدون في مجرد الاحتجاج واللجاج أداة ضغط حقيقية على الحكومة حتى تستجيب بقدر معقول لمطالبهم، وأن مجرد اجتهادهم في تقديم الحجج الرقمية والبيانية والفلسفية الثورية والتاريخية لن يفيدهم في تحقيق ما يصبون إليه مع حكام مدرّبين على التسويف والتمهطيل والتعطيل وعلى الاستجابة اللامشروطة لاشتراطات صندوق النقد الدولي. فما هو الحل؟
في تقديري، وبمنطق طبائع العمران البشري، من المستحيل في الوقت الحالي الاستجابة للحدّ الأدنى المعقول من مطالب شباب الكامور والأهالي الداعمين لهم في تطاوين. ذلك أن الأسباب الموضوعية (الشروط) للاستجابة لهذه المطالب غير متوفرة.
إذ من بين أهم هذه الشروط هو وجود إرادة سياسية على تحقيق ثلاثة أمور:
أولا: إعادة بلورة منوال تنموي جديد مؤسس على قيم دستور جانفي 2014.
ثانيا: إعادة فتح ملف الطاقة وإصلاحه في ضوء ذلك المنوال التنموي الجديد .
ثالثا: العمل بصدق وجدية على فتح ملفات الفساد ومحاصرته ضمن تمش متطابق مع تمشي العدالة الانتقالية.
فما العمل؟
العمل في رأيي المتواضع عملان:
أولا: أن يكون لشباب الكامور وأهالي تطاوين ومن ورائهم ومعهم كامل أهالي المناطق والجيوب المحرومة في الجنوب وفي الشمال وفي الساحل حتى، خطة مطالب عاجلة تمثل الحد الأدنى الذي يمس مقومات عيشهم وكرامتهم في بعدها وشرطها المادي.
ثانيا: أن يكون لكل هؤلاء العزم في أول استحقاقات انتخابية قادمة (بلدية وتشريعية ورئاسية) على تصعيد القيادة السياسية ذات البرامج التنموية والإرادة الصادقة التي تمثل الإطار الموضوعي للاستجابة السلسة لأكبر قدر ممكن من المطالب والحقوق التنموية التاريخية المشروعة للجهات والجيوب والفئات المحرومة اجتماعيا واقتصاديا.
من لا يصدّق هذا الكلام، فهو يصدّق بأن هذه الحكومة هي حقا حكومة ثورية ولها كامل مقومات السيادة على نفسها وللبلاد، وهو يصدق أنه يمكنه جني العسل من لدنّ البوفرززّو.
طبعا هنالك رؤية مختلفة تماما لهذه القضية وهي تنطلق من فرضية قيام ثورة في المستقبل المنظور ولا تقبل بالإصلاح من داخل منطق البناء الديمقراطي الحالي…وهذه وجهة نظر قابلة للنقاش هي الأخرى…