الحبيب بوعجيلة يعيد رسم حدود "القديم" و"الجديد"

Photo

الحبيب بوعجيلة كان متميّزا الليلة بمتانة جملته السياسيّة وقوّة حجّتة وقدرته على زعزعة سرديّة القديم. وهي السرديّة التي لو وُوجهت بوعي فذّ وثقة في الجديد رغم تعثّره وروح كفاحيّة كالتي عبّر بها الحبيب بوعجيلة ما كان لها أن تثبُت يوما أو بعض يوم.

كلام كثير يمكن أن يُقال الليلة عن حلقة لمن يجرؤ ولكنّنا سنكتفي بملاحظتين:


:1 - تتعلّق الأولى بموضوع الإعلام وانحياز أغلب مكوّناته إلى القديم. وتُقدّم مداخلة الحبيب الأولى الدليل مرّة أخرى على أنّ الإعلام المنحاز لم يهيمن على المشهد بسبب ما توخّاه من وسائل وأساليب وتقنيات متطورة في التواصل فقط وإنّما أيضا بسبب ضعف الجهة المقابلة وافتقادها لخطاب تأسيسي متماسك يعبّر عمّا عرفه البلاد من مسار جديد واعد. ولو وُجد هذا الخطاب لانْكفأ القديم وكُبّ على وجهه منذ السنة الأولى للثورة مثلما انكفأ رضا الملولي واستسلم أمام هجوم الحبيب الكاسح.


:2 - وتتعلّق الثانية بأنّه حين كنّا نكتب عن القديم والجديد وصراعهما نشير - توخيّا للدقّة وتخلّقا بالموضوعيّة - إلى صعوبة رسم الحدود بين القديم والجديد في بعض السياقات الدقيقة. ولم نكن نتردّد في الإشارة إلى تداخلهما وتشابههما.

هذا المعنى تأكّد عندنا الليلة. فبقدر ظهور الحبيب بوعجيلة ممثلا للجديد بجدارة كان سامي الطريقي ورضا الملّولي ممثّلين لخطاب المنظومة القديمة مع فارق في الدرجة حيث عبّر رضا الملّولي أحد مستكتبي بن علي عن "اللهجة المقاتلة" في هذا الخطاب الظلامي، في حين عبّر سامي الطريقي عضو مجلس شورى حركة النهضة عن "اللهجة المخاتلة" فيه. بل إنّ ممثّل منظومة التعذيب رضا الملولي بدا "أصدق" و"أرجل" من ممثل من كان ضحيّة هذه المنظومة. لقد ذكّرانا الإثنان بـ"جلد الفاجر" و"عجز التقيّ" ( الذي لم يكن تقيّا ولا استطاع أن يكون فاجرا.)

ممثّل النهضة لم يقل كلمة واحدة في حقّ تجربة الترويكا وقد تحمّلت فيها النهضة مسؤولية قيادتها. وكان للحبيب بوعجيلة شرف المنافحة عن هذه التجربة وعن أحد أهمّ رموزها ووضْعها في سياقها من المسار الجديد والوقوف على ما لها وما عليها ومقارنتها بتجربة غيرها في السنوات الست من الثورة.

كان للحبيب هذا الشرف واختار ألاّ يثير ممثّل النهضة الذي خذله في موضوع المرزوقي. ولو كان لممثّل النهضة أدنى التمييز السياسي لانتبه إلى أنّ الدفاع عن جوانب من تجربة المرزوقي في بعض مستوياتها، في سياق حوار الليلة، هو دفاع عن كيانه الحزبي وتاريخه القريب بدرجة أولى. ولكنّه فضّل اللغة الخشبيّة المهادنة، حتّى طمع رضا الملّولي في نصحه ( ذكّره بطموح الشباب وضرورة خروجه من جبّة الشيوخ والطاعنين في السنّ).

ليس هذا هو المستوى الوحيد الذي يتقاطع فيه خطاب النهضة مع خطاب المنظومة القديمة. ولم يكن خطاب سامي الطريقي وقد قلنا في ملابسات إنّ النهضة يمكن أن تصبح هي "النظام"، ولكنّها اليوم صارت أقرب إلى أن تكون جزءا من "المنظومة" رؤيةً وخطابا وأداءً.



Commentaires - تعليقات
عبد الستار فرح
03/07/2017 03:11
حقا سي لحبيب اعطي كثير من الدروس في هاته الليلة وابدع و صدع بالحق