استمعت إلى خطاب الأمين العام لحزب الله، وأورد بشأنه الملاحظات:
1 - أجاد نصر الله، من وجهة نظر لبنانيّة، في توصيف الإجراء السعودي باحتجاز رئيس وزراء لبنان، رغم كونه أداة سعوديّة، لأنّ في ذلك اعتداء على لبنان وحكومته وسيادته وعلى تيار المستقبل والمشهد السياسي اللبناني وعلى الطائفة السنيّٰة نفسها. ورسم حدود الموقف السياسي اللبناني الذي يجب أن يكون.
2 - موقع نصر الله لا يختلف من حيث المبدأ عن سعد الحريري ، فهذا أداة إيران في لبنان ( هو من يعلن) وذاك أداة السعوديّٰة ) والحريري أشد إعلانا) ، وإنّما الاختلاف من حيث الدرجة فآل سعود يهينون خدّامهم بينما يكرم الإيرانيون أتباعهم ويجلّونهم ولا يتركوهم، فهم جزء منهم رغم البعد الأداتي.
الفارق بين نصر الله والحريري بالمقياس اللبناني نفسه، هو فارق في الدرجة وليس في الاتجاه. وهذا الفارق في المعاملة هو الذي سمح لنصر الله بالقول مقارنا بين تدخل السعودية وإيران في لبنان : السعودية تتدخّٰل في الشأن اللبناني، وإيران لا تتدخّٰل. ولكنّه اكتشف تهافت هذا الكلام ولا مصداقيته، فقال: صحيح لإيران نفوذ في لبنان ولكنها لا تتدخّٰل بالشأن اللبناني!!! لعلّه يقصد " التدخل المفضوح"،،،قد يُقبل هذا.
ولكن نصحّح للسيد الأمين العام إذا أراد بعض صدقية فيقول: إيران تجمّل تدخّٰلها في لبنان ، ولا تفْجُر في انتهاك السيادة مثلما يفعل آل سعود.
لا يختلفان وظيفيّا : هذا أداة "الولي الفقيه" وذاك أداة "خادم الحرمين". ويتفوّق نصر الله بإظهاره اعتناقه مبدأ ولاية الفقيه وولائه لخامنئي.
3- في الحديث عن لبنان، يكتسي خطاب نصر الله قدرا من الانسجام. فكثير من المهتمّين لا يَرَوْن أهميّة في اشتراك الحريري ونصر الله في التبعيّة، إذ لا مقارنة بين من يكون تابعا لمحاربة العدو الصهيوني ومن يكون تابعا لدعمه. هذا المنطق كان مقبولا، ولكنه لم يعد كذلك، بعد الثورة السوريّة، بل بعد غزو العراق واحتلال بغداد واللقاء الإيراني الأمريكي وحكومات المنطقة الخضراء وتصفية المقاومة الوطنيّٰة العراقيّة ( هيئة علماء المسلمين.)
وأنت تستحضر ما حدث بالعراق وسوريا واليمن تقف على حجم التهافت في خطاب أمين عام حزب الله. وتتأكّد من تكافؤ الجُرمين: السعودي والإيراني في العراق وسوريا واليمن. ولن يغيّٰر من الأمر شيء ما يظهر من أسباب الخلاف بين أمريكا وإيران الذي قد يفضي إلى التصادم، إذا لم يتمّٰ الاتفاق على غنائم المعركة، بعد طَي صفحة الثورة.
4 - من وجهة نظر المجال العربي، نحن نعيش على وقع الصراع بين ثلاث أصوليات: الوهابيّة والصهيونيّة والخمينيّة وتشترك هذه الأصوليات في:
-ادعائها تمثيل الأصل ونزوعها إلى الحلول محلّه.
-مناهضتها لثورة الربيع وسعي المجال العربي إلى الانتظام قوّةً سياسيّةً واقتصاديّةً ولسانيّةً معرفيّة.
-تخلّفها الفكري لما يؤسسها من أساطير بالية ( الصهيونيّة والخمينية ) وخطاب شريعي رثّ ( الوهابيّة).
-احتلالها المقدّسات ( الصهيونية تحتلّ فلسطين، والوهابيّة تحتلّ الحرمين ، والأرض ( الصهيونيّة تحتل فلسطين ، وإيران تحتل الأحواز/أكبر من فلسطين ست مرات، وتحتل الجزر الإماراتيّة.
-دخولها في محاور الصراع القائمة بالأصل ( إيران والكيان) أو بالتبعيّٰة ( السعوديّة.)
5- نميّٰز جيّٰدا بين موقع إيران وموقع السعوديّة، فإيران قوّة استراتيجية تمثّل نفسها ومصالحها وتاريخها ، في حين لا ترقى السعوديّة إلى أن تكون إحدى أدوات النفوذ الأمريكي. ومثلها دول الخليج النفطيّة جميعا ، فهي لا تخرج عن الاستراتيجيا الأميركية والسقف الذي ترسمه، حتى مع اختلافها في موضوع المقاومة والثورة ( قطر، السعوديّة.)
لذلك فإنّ ما يقع في لبنان وفِي السعوديّة( انهدام أساس الدولة العائلي التقليدي ، وموت الوهابيّة( والمنطقة يتنزّٰل ضمن الصراع الأمريكي الإيراني على المجال العربي، بعد الالتقاء على تصفية الثورة في مصر وسورية واليمن والعراق. وكان الإرهاب هو الحادي في كل هذه المعارك.
6 - بدت لي حجج الخطاب ضعيفة ، رغم ما بذل صاحبه من جهد منهجي، ورغم قدرته التواصليّٰة العالية. فقد كان حجم الدمار في المنطقة ودور إيران وحزب الله فيه مخيّما على سياق الخطاب بثّا وتلقّيا.
وخطابات نصر الله فقدت لهجتها، منذ تدخل إيران في العراق ( موقف حزب الله من المقاومة العراقيّة).
وتورّط الحزب في سوريا، وانكشاف وجهة المقاومة التي كان يقود…
هي جولة لا بدّ منها، كانت فيها الكلمة، إلى حين، للثورة المضادّة، والتي تستعدّ مكوناتها لمعارك نفوذ دامية سيدور أغلبها في مجالنا…ولا غرابة فقد صار لـ"لدولة المارقة" "قيادة مارقة…" ترامب !!!