السياسة وحديث المناسبات

Photo

كنت أستمع إلى كلمة مباشرة للرئيس ماكرون، على صفحته، بحضور رئيس وزراء الهند، في إطار زيارة يؤديها الرئيس الفرنسي إلى الهند تمّ خلالها توقيع عديد الاتفاقيات المهمّة.

وكان لرئيس الوزراء الهندي كلمة، بدت لي بلغة محليّٰة، وليس صعبا أن أتخيّل معاني الترحيب المنمذجة في مثل هذه المناسبات،، ولكن لم أتبين منها سوى ما ورد من ذكر لأسماء أعلام الثقافة والفكر في فرنسا مثل فولتير وهيغو ومالرو ، وريمون أرون.

ثم كانت كلمة الرئيس الفرنسي، وكان فيها ردّ جميل وعميق على انفتاح الهند واطلاعها على جانب من الثقافة الفرنسية وتاريخ الفكر في أوروبا، ومحاولة لإظهار معرفة رئيس فرنسا بالثقافة الهندية، وبحركة الترجمة التي مكنت من التواصل الثقافي.

وهذا مهمّ في مثل هذه المناسبات، لأنّ لسعة الثقافة دورا ديبلوماسيا وسياسيا مهما جدا، وقد عرفناه في تجربة السنوات السبع الأخيرة مع من مثلنا في أعلى مستوى : فكان منهم الموسوعي المثير للإعجاب وكان الضحل المثير للسخرية. وعشنا هذا حتى عند المقارنة المفروضة بين بورقيبة وبن علي، وما خلفه ذلك من خيبة أمل عند من واجهوا بشجاعة سياسة بورقيبة صاحب الثقافة، ووجدوا أنفسهم في مواجهة "رئيس مركز" .

بعد هذه المقدّمة في كلمة الرئيس الفرنسي ، ذكر أنّٰ ما يجمع فرنسا والهند هو الثقة وهي أساس تواصل هذه العلاقة وشرط حمايتها. وبدأ بتحديد المحاور الإستراتيجية التي تجمع البلدين وأولها محور محاربة الإرهاب ، ثم خصّ الإرهاب بصفة الإسلامي، فقال : الإرهاب الإسلامي "Le terrorisme islamiste" . ولم يعلِّق، ولم يوضّح ولم يدقّق. وهو يعلم التعدد الإثني والديني من هندوس وسيخ ومسلمين، وأنّ نسبة المسلمين تفوق 14٪‏ من السكان. وما عرفته بعض الأقليات من ظلم، وما شهده البلد من صراع. وأن هذا التعميم لا تتوقف حدوده عند الهند بل يتعدّاها إلى الجارة باكستان ومشكل كشمير.

كان في غنى عن تخصيص الإرهاب، ومن ثم في غنى عن التوضيح ، في سياق معقّد.ولسنا أعلم منه بسياسته ولا بمصالح فرنسا، ولكم من حقنا ان نلاحظ ونقارن ونتذكّر.

هو إذن حديث المناسبات، ففي تونس حديث منه عن الإسلام الذي أظهر هذه المرّة أنّٰه لا يتناقض مع الديمقراطية، مع تهنئة التوانسة في الآن نفسه بقدرتهم على الفصل بينه وبين السياسة!!!، وفي مناسبات أخرى ميز ماكرون بين الدين الإسلامي ديانة توحيدية تنشد السلام، وبين الإرهابيين الذين يرتكبون جرائم باسمه.

مع دخول ترجمة محلية لكلمة الرئيس الفرنسي على الخط، صار من الصعب تبين كلامه بوضوح، ولا أدري بعدها هل دقّق أو وضّح، أو استثنى…

يتأكّد مرّٰة أخرى أنّٰ العالم مازال يعيش في مستوى موازين القوى والعلاقات الدولية على نتائج الحرب "العالمية" الثانية السياسية والقانونية منظمة (الامم المتحدة)، وباستثناء القذافي، وقبله خطابات لبعض الزعماء على منبر الجمعية العامة، وفكرة دول عدم الانحياز، ومشروع المحكمة الدستوريّة الدولية الذي لم يُفعّل (تقدم به الرئيس المرزوقي) ، لا توجد محاولات جادة لمراجعة هذه العلاقات الدولية المؤسسة على "الغلبة" وليس على "التعاقد" كما توهم به المواثيق الدولية، ومنها "حق الفيتو " الممنوح للمنتصرين والأقوياء، بعد الحرب "العالمية" الثانية.

هذه المواثيق الدولية غير العادلة، في مستوى تطبيقها على الأقل، لن تتعدّٰل إلا بتعديل موازين القوى، فعلاقات القيمة والقوة مازالت محكومة بدرجة القوة لا بنبل القيمة. لم نخرج بعد من "إدارة الصراع" إلى "إدارة التعارف"….هذا إذا كان الخروج ممكنا في هذا العالم "المتوحش"، وقد تبقى "فكرة التعارف" مجرّد "مثل أعلى " كالحرية والعدالة والأخوة الإنسانية، وحقوق الإنسان، يدعي الجميع أنّٰه يحث الخطى نحوها.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات