تكاد الانتخابات البلديّة تمثّٰل خلفيّة كثير مما يدور أمام أعيننا من مواقف سياسيّٰة وتجاذبات وتحالفات وصراعات، ولا مبالغة إذا قلنا إنّ الفرز اليوم قاعدته هي الانتخابات البلديّة الحاضر/الغائب. بل إنّ الموقف من الانتخابات ( إجراءً أو تأجيلا) هو في وجهه الآخر موقف من مستقبل الديمقراطية ومسار بنائها البطيء (ولا حرج في اعتباره موقفا من المبدأ نفسه)، وهو موقف من مستقبل النظام السياسي الذي يقرّه الدستور تجاوزا للتجربة المركزية التي قسّمت البلاد اجتماعيا وهوويا.
رغم أهميّة الانتخابات البلديّة التي ستكون بعد ثلاثة أشهر، فإنها لا تكاد تحضر في الإعلام وفي السجالات السياسيّة، وتُترَك في الهامش، ولا حديث عن القانون الانتخابي ومجلة الجماعات المحليّة ومفردات العملية الانتخابية واستطلاعات الرأي ونوايا التصويت…
إجراء الانتخابات في موعدها المحدد وفي شروط النزاهة والشفافيّة الكاملة سيمثل حالة "اللاعودة عن المسار الديمقراطي"، وسيجعل التنافس في جوهره سياسيا برامجيا على قاعدة الديمقراطية والاختيار الحر .
وسيوضّح خارطة القوى السياسية والمحلية، فالديمقراطية تُبنى على التوازنات الواضحة والمستقرّة نسبيا. وسينقل الممارسة الديمقراطية إلى الأعماق، ويمكّن فئات واسعة في تحمّٰل المسؤولية المحليّة وتحسين جودة الحياة وتنمية الجهات.
هناك من ليس لهم الجرأة لكي يعلنوا معارضتهم للانتخابات البلدية في موعدها، وهم يعرفون أنّٰه لا تعوزهم الحجج السياسويّة في تبرير موقفهم، رغم إلحاحية هذه الانتخابات من الناحية البيئية والصحيّٰة والخدمات اليومية الضرورية.
وسيجدون في المطالب الاجتماعيّة المشروعة وما يصاحبها من احتجاجات تشهد بحيوية المجتمع وحقّه في الدفاع عن الفئات التي طحنتها الأزمة المالية الاقتصاديّٰة، مدخلا لأهداف سياسويّة مشروطة بالاضطراب تتقاطع مع أهداف السيستام لإعادة ترتيب المشهد السياسي الحكومي والحزبي والاجتماعي، وهو ترتيب ليس من أولوياته الديمقراطية ومستقبلها ومطالب الفئات الاجتماعية الواسعة المتضرّرة وإنّٰما المصالح والمغانم القديم منها والجديد.
ورغم كلّ هذا، فإنّ بقاء الصراع في دوائره السياسية وحتّى الهووية مكسب في حدّ ذاته، لأنّ بلوغ التجاذب والتوتّر حالات قصوى قد يمثّل مناخا مناسبا لاستهداف التجربة، والتهديدات المتواترة هذه الأيام مؤشر خطير.