ما تعرفه الهيئة المستقلّة للانتخابات ليس إلاّ مرحلة متقدّمة من تقويض ماتمّ بناؤه في المرحلة التأسيسيّة. فلم يعد خافيا أنّ القديم الذي عاد مع انتخابات 2014، بعد أن تسنّٰى له إيقاف عمليّة التأسيس واختزال المسار في عمليّة انتقال ديمقراطي، يمرّ بسرعة إلى الانقلاب على النظام السياسي المنبثق عن دستور الثورة بالعمل على:
- استبعاد شروط الانتخابات الديمقراطية الحرة والنزيهة.
- تهميش نص الدستور والإصرار على أن تكون العمليّة السياسية خارجه.
- تغيير النظام السياسي في الواقع ( الرئاسات الثلاث بحدودها المضبوطة لم تعد موجودة، ويشهد الأداء بوجود نظام رئاسوي في قرطاج.)
- هدم الأساسات الرئيسية للمنظومة الديمقراطيّة باستهداف الهيئات التعديلية والدستوريّة ضمانة استمرار هذه المنظومة. فالهايكا وهيئة مقاومة الفساد والإيزي صارت قلاعا فارغة يعبث بها السيستام وحلفاؤه في منظومة الحكم. ولا ينفي هذا عجز الترويكا عن إقامة هيئات تعديلية ودستوريّة متينة بكفاءات وطنية ناضجة عاطفيا قبل نضجها السياسي، في حينه، ووقوعها في منطق المحاصصة الإيديولوجية والهايكا أقوى مثال.
وما تشهده الهيئة المستقلة للانتخابات منذ استقالة رئيسها يمثّل ناقوس خطر حقيقي لم يلق الاهتمام المطلوب من الأحزاب والجهات التي يعنيها المسار الديمقراطي على الأقل. وما عرفه عجز الكتل النيابية عن اختيار رئيس للهيئة في مجلس النواب نتيجة التجاذبات الحزبيّة الحادة بين النهضة والنداء يفقد الهيئة استقلايتها مصداقيتها عند الناس وهم يرون من يقف وراء المترشحين وما يدور من سمسرة في اختيار رئيس للهيئة. ولا تسل عن هامشيّة الهيكا وغرقها في وحل لوبيات الفساد وعجزها عن الأدنى من دورها، ولا عن هيئة محاربة الفساد ورئيسها "الملبّز" الذي لم يعد قادرا حتّى على "اللغة الخشبيّة".
هذا الذي يحَدُث يُفقد منظومة الحكم كلّ شرعيّة، ولكن شروط الإصداع بهذا الموقف والمضي به سياسيا وكفاحيّا غير موجودة إلا من بيانات عامة هنا وهناك، وتصريحات من قبل القيادات الحزبية لم تعد كافية لتوجيه الرأي العام وتكتيله حول ما يجب من المواقف والأفعال، مثلما لم تعد لائقة المشاركات الهامشية في مسيرات الشارع الوظيفي. وهي مسيرات لم تعد تثير اهتماما إلاّ ما تشيعه من قناعة عند منظومة الحكم ومن ورائها السيستام من أنّ "هذا الشارع" صار جزءا من المشهد المطلوب.
غياب الشارع العضوي المهيكل حزبيّا لأسباب معلومة لن يمنع انفجار الاحتجاج الاجتماعي هذا الشتاء( ليست أمنية). فشروطه كامنة في الأزمة الهيكلية المضاعفة : أزمة حكم وأزمة اقتصاديّة مالية طاحنة ( انهيار الدينار، تفاقم البطالة، عجز منظومة الحكم، انسداد الآفاق( تضرب في العمق وبلا رحمة كل القطاعات . سيكون الاحتجاج هذه المرة إعصارا اجتماعيا بلا أفق.
"سندعه ينفجر"…